الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أدب الكتاب ***
قال محمد بن يحيى: حدثنا الحسين بن يحيى الكاتب قال: حدثنا إسحاق قال: سمع جعفر بن يحيى يقول لكتابه: "إن استطعتم أن تكون كتبكم توقيعات فافعلوا". وقال بعض الكتاب: الإيجاز في الابتداء أمكن منه في الجواب، ما لم يكن منه في إعذار وإنذار، وعود وبدء، وفتوح وعهود. قال أبو بكر: والذي عندي أنه يحتاج الكاتب والخاطب والشاعر، إلى أن يخرجوا معانيهم في أقواتها من الألفاظ، على الاختصار، ما لم يحتج إلى إكثار، فإن احتيج إلى ذلك جيء به بما لا بد منه. وأكثر ما يقع ذلك في الرغبة والرهبة، ألا ترى إلى كتاب الله عز وجل وكلامه المعجز، كيف يكون فيه ذكر الجنة والنار، وقصة الأنبياء عليهم السلام، والنقمة ممن كذبهم، والأمر بالاعتبار بما نزل بهم، فكانت الحكمة في تقرير ذلك مما يفعل العرب، وسنأتي بفعلهم بعد. ولأن الإنسان قد يقرأ بعض القرآن ويحفظ شيئاً منه دون شيء، فلم يخل الله عز وجل: كل موضع منه من ترغيب وترهيب، وإذكار واعتبار تفضلاً منه على عباده، واستدعاء لطاعتهم، ونهياً عن عصيانهم فوقع التكرير لذلك. وقد حدثني محمد بن يزيد المبرد النحوي قال: حدثني أبو محمد التوجي عن أبي عمر الأسدي، قال: قيل لأبي عمرو بن العلاء: هل كانت العرب تطيل؟ قال: نعم ليسمع منها، قيل: فهل كانت توجز قال: نعم ليحفظ عنها. وقد روي في هذا لأبي دؤاد الإيادي: يرمون بالخطب الطوال وتارة *** وحي الملاحظ خيفة الرقباء واحتج من زعم أن الجواب ينبغي أن يكون أكثر من السؤال، لأن السؤال عنده استعلام، والجواب إعلام، وقد قال الله عز وجل: "وما تلك بيمينك يا موسى"، فاقتضى الجواب أن يقول: "هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي". ثم رأى أن منافعه بها كثيرة فاختصر ذكرها وقال: "ولي فيها مآرب أخرى". وقالوا: "البلاغة لمحة دالة". وقالوا: "لا تنفق كلمتين إذا كفتك كلمة" وأنشدني أحمد بن إسماعيل الكاتب لنفسه: خير الكلام قليل *** على كثير دليل والعي معنى قصير *** يحويه لفظ طويل وفي الكلام فضول *** وفيه قال وقيل أولا ترى إلى موضع الإيجاز بذكر الحجة في القرآن كيف أتى مختصراً معجزاً وهو فيه كثير، فمنه قوله تبارك وتعالى: "وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم" ثم قال عز وجل في مكان آخر يذكر هذا: "ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة". ثم قال في مكان آخر، وقد أمرهم أن يعتبروا، فقرب ذلك عليه فقال: "وفي أنفسكم لأفلا تبصرون" ففي كل شيء من خلق الله عز وجل: للإنسان عبرة إلا أن أقربها وأخصرها أمر نفسه. ثم اختصر عز وجل أمره ونهيه، وتحليله وتحريمه، واستثنى في الذي أحل، ما نذكره بعد من حرامه، وفي الذي أحل وقتاً يحرم فيه كل ذلك. إذا كتب أجزأه فيه سطرواحد، وهو قوله عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتل عليكم غي محلي الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد" فأمر بأن نوفي بعقوده ثم أحل بهائم الأنعام، واستثنى ما يحرم منها ما يجيء بعد، ثم ذكر أن هذا الحلال يحرم على المحرم. ولو أراد أبلغ الكتاب أن يجيء بهذه في أسطر كثيرة ما أمكنه على عجزه في حسن اللفظ والنظم. وهذا كثير يطول به الكتاب ذكرت ههنا طرفاً منه. قال وأنشدني محمد بن يزيد المبرد في وصف خاطب: إذا ما انتدى خاطباً لم يقل *** له أطل القول أو قصر انتدى تكلم في النادي وهو مجلس القوم، وقد روي إذا ما ابتدا طبيب بداء فنون الكلا *** م لم يعي يوماً ولم يهذر فإن هو أطنب في خطبة *** قضى للمقل على المكثر وحكى سيبويه أن امرأة من العرب كانت بغيا، فكان يقول لها القائل: خطب، فتقول: نكح وتمضي معه. وحكي أن رجلاً كان عود رجلاً أن يجيئه في وقت من الزمان، فيمضي معه إلى موضع معروف، حتى ألفا ذلك وعرفاه فكان يأتيه فيقول "ألا تا" فيقول: "بلى فا" يريد ألا تمضي؟ فيقول: بلى فامضي. وهذا كله إنما يجوز مع الإفهام والمعرفة. وأنشدني الحسين بن عمر الكاتب قال: أنشدني علي بن الحسين الإسكافي عن أبي محلم للأحيمر السعدي في كلمة: وحاذر جواب المصمتين إذا سمت *** عيون العدى فالقول تبدو شواكله من القول ما يكفي المصيب قليله *** ومنه الذي لا يكتفي الدهر قائله يصد عن المعنى فينزل ما تحاً *** ويذهب في التقصير منه تطاوله فلا تك مكثاراً تزيد على الذي *** عنيت به في خطب أمر تزاوله وكلم رجل سقراط في أمر بكلام أطاله وزاد فيه على ما احتاج إليه فقال له سقراط: "أنساني أول كلامك بعد آخره، وطول عهده مع تقارب أقطاره". وقال آخر: الكلام أوعية والمعاني أمتعة، وقد يجمع في الوعاء الواحد ضروب من الأمتعة. وقالوا: السؤال بغي والجواب نصير. وقال آخر: البلاغة في الجواب أوحد وأظهر. وقالوا: الأجوبة أمهات الفوائد، تلدها بتلقيح السؤال. وقالوا: "الجوابات المستكة" ولم يقولوا: المسائل المستكة. وقالوا: لكل كلام جواب. وقال سهل بن هارون: من فضل الجواب على الابتداء أن الابتداء يوجد في الجواب ولا يوجد جواب في ابتداء. وقال آخر: "إني أدع الكلام خوفاً من الجواب، أنه يقع ولم يذكر"، يريد قولهم: السكوت جواب. قال الصولي: حدثنا يونس بن محمد الكديمي، قال: حدثنا عبد الله بن داود الحذيمي، قال: سمعت الأعمش يقول: "السكوت جواب"، وهذا إنما أخذه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الصولي: حدثني محمد بن يونس الكديمي قال: حدثنا أبو بكر الحنفي قال: حدثنا سفيان الثوري قال: حدثنا مالك بن أنس عن عبد الله بن الفضل، عن نافع بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر وإذنها صماتها". وحدثني إبراهيم بن عبد الله قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا مالك بن أنس وذكر مثله. وقال آخر: يا من بنا يرتاب *** ترك الجواب جواب وقال بشار وذكر أن السكوت يعفي من لا ونعم: وإذا قلت لها جودي لنا *** خرجت بالصمت من لا ونعم وأنشدني أحمد بن يزيد المهلبي عن أبيه قال: أنشدني الحسين بن الضحاك لنفسه: وإبأبي مفحم بعزته *** قلت له إذ خلوت مكتتما تحب بالله من يخصك بالحب *** فما قال لا ولا نعما ثم تثنى بمقلتي خجل *** أراد رجع الجواب فاحتشما فكنت كالمبتغي بحيلته *** برءاً من السقم فابتدا قسما وقال بعض الكتاب: أكثر حيل الكاتب في بلاغته يقصد شيئاً فيأتي بغيره ويدرجه فيه. قال محمد بن يحيى الصولي: ومن ذلك ما حدثنا الحسين بن فهم قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن يوسف عن أبيه قال: دخلت على المأمون وفي يده كتاب ورد من عمرو بن مسعدة وهو يردد النظر فيه مرات، ثم قال لي: أظنك قد أفكرت في تردادي النظر في هذا الكتاب. قلت: قد أفكرت في ذلك. قال: إني عجبت من بلاغته واحتياله لمراده كتب: كتابي إلى أمير المؤمنين، أعزه الله، ومن قبلي من قواده وأجناده، في الطاعة والانقياد على أحسن ما تكون عليه طاعة جند، تأخرت أرزاقهم واختلت أحوالهم" ألا ترى يا أحمد إلى إدماجه الخلة في الأجناد وإعفاء سلطانه من الأكثار، ثم أمر لهم برزق ثمانية أشهر. ونحوه هذا ما حدثني به أبو علي السجزي قال: لما ولي عبد الله بن سليمان الوزارة أوصلت إليه كتاباً من عبيد الله بن عبد الله وفيه شعر له: أبى دهرنا إسعافنا في نفوسنا *** وأعفنا فيمن نحب ونكرم فقلت له: نعماك فيهم أتمها *** ودع أمرنا إن المهم المقدم فلما قرأ عبد الله هذا الشعر قال: ما أحسن ما احتال في شكوى حاله، بين أضعاف مدحه، فأوصل رقاعه إلي فقضى كل حاجة كانت له. وحدثني علي بن الصباح ، عن حماد، عن الهيثم بن عدي، قال: كان الحجاج يستبطئ المهلب في حرب الأزارقة والمهلب، محسن مجتهد يستحق مكان الذم الشكر. فكتب إليه المهلب: "إن من البلاء أن يكون الرأي لمن تملكه دون من تبصره" فلما قرأ الحجاج هذا أقصر عن مكاتبته بمثل ذلك. وحدثني الحسين بن علي العنبري قال: حدثني محمد بن معاوية الأسدي، قال: لما ظفر المهلب بالخوارج وفرغ من أمرهم قال الحجاج: الآن يرد كتاب المهلب طويلاً بوصفه، جامعاً لوصف يشرح أحواله، وإنه لحقيق بكل وصف، وأهل لكل مدح. قال فورد كتابه. "بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الكافيء بالإسلام فقد ما سواه، المعجل النقمة لمن بغاه، الذي يزيد من شكره، ويرزق من كفره. أما بعد فقد كان من أمرنا ما أغنت جملته عن تفصيله. وكنا نحن وعدونا في مدة هذا التنازع على حالتين مختلفتين: يسرنا منهم أكثر مما يسوؤنا ويسوؤهم منا أكثر مما يسرهم؛ على شدة شوكتهم، واجتماع كلمتهم، وانزعاج القلوب لمخافتهم؛ حتى نوم بذكرهم الرضيع، وأصم لخوفهم السميع. فانتهزت منهم الفرصة عند إمكانها، بعد أن تنظرت وقت إبانها؛ واستدعى النهل علله، وبلغ الكتاب أجله. فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين". ونحو هذا، إلا أنه في التهدد، ما حدثني به عبد الواحد بن العباس الهاشمي، قال: سمعت الرياشي يقول: كتب ملك الروم إلى المعتصم كتاباً يتهدده فيه فأمر بجوابه. فلما قربت الأجوبة عليه لم يرضها وقال للكاتب: "اكتب" فأملى عليه: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فقد قرأت كتابك، وسمعت خطابك. والجواب ما ترى لا ما تسمع. وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار". وكتب أحمد بن يوسف إلى إسحاق الموصلي يدعوه ويعلمه أن عنده قلماً "المعنى أنا وقلم وأنت أعلم". وكتب عبد الملك إلى الحجاج: "أما بعد فقد بلغني سرفك في سفك الدماء، وتبذير الأموال في الباطل، ومنعك الحق؛ فلا يؤنسنك بي إلا طاعتك، ولا يوحشنك مني إلا معصيتك". قال: فكتب إليه الحجاج: "أما بعد فقد وصل كتاب أمير المؤمنين، وما قتلت إلا فيه، ولا أعطيت إلا له. فإن رأى أمير المؤمنين أن يمضي لي سالفي، ويأمر لي بما أحب في مستأنفي؛ فعل إن شاء الله". قال الصولي: حدثني محمد بن يزيد المبرد قال: حدثني العتبي قال: كتب عبد الملك بن مروان إلى بعض ولده، وقد خالفه في شيء: "أما بعد فإني أمرتك بأمر فأتيت غيره، ووصيتك بوصية فأبيت إلا عصته. وخفت أنك بمنزلة الصبي الذي إذا أمر بشيء أباه، وإذا نهي عن شيء أتاه؛ فيحتال له فيما ينفعه بأن ينهى عنه، وفيما يضره بأن يؤمر به. ويا سوأتي لمن هذه حاله والسلام". قال الصولي: حدثني محمد بن موسى بن حماد قال: سمعت الحسن بن وهب يقول: كاتب رئيسك بما يستحق، ومن دونك بما يستوجب، واكتب إلى صديقك كما تكتب إلى حبيبك. وقال بعض الكتاب: غزل المودة أرق من غزل الصبابة. وقال غيره: إني لألذ للمؤانسة كلذتي للملامسة. وحدثنا أبو العيناء قال: حدثنا الأصمعي قال: قال هشام: قد مرت لذات الدنيا كلها على يدي وفعلي، فما رأيت ألذ من محادثة صديق ألقى التحفظ بيني وبينه. قال الصولي: أو ما ترى حذق أبي تمام في قوله لآل وهب: كل شعب كنتهم به آل وهب *** فهو شعبي وشعب كل أديب إن قلبي لكم لكالكبد الحر *** ى وقلبي لغيركم كالقلوب وهو القائل: واجد بالخليل من برحاء الشو *** ق وجدان غيره بالحبيب وأنشدنا أحمد بن إسماعيل لنفسه: صدود الحبيب دعاء الغلي *** ل وأغلظ منه صدود الخليل صددت فاشمت بي حاسداً *** عليك وحققت قول العذول وقال أبو تمام إلى ابن الهيثم: سلام الله عدة رمل خبت *** على ابن الهيثم الملك اللباب ذكرتك ذكرة جذبت ضلوعي *** إليك كأنها ذكرى تصابي وقال إبراهيم بن العاس الصولي: أميل مع الذمام على ابن عمي *** وأقضي للصديق على الشقيق وإما تلفني حراً وطاعاً *** فإنك واجدي عبد الصديق وقالوا: طرف الصداقة أملح من طرف العلاقة. قال الصولي: لم نرد بذكر الحساب أن نذكر الضرب والقسمة والمعاملة، إما أردنا أن نذكر اللغة فيه ووصف الكتاب به إذ كان الحساب قد عملت فيه كتب يزيد بعضها على جملة كتابنا هذا، ولئلا يخلو هذا الكتاب من ذكره إذ كان أصلاً لا يستغني عنه الكاتب ولا بد لكل أحد منه. يقال: حسب يحسب حساباً وحسباناً مثل بنى يبني بناء وبنياناً والفعلان في مصدر فعل وفعل قد جاءا، وإن لم يكثرا قالوا: رفع رفعاناً وخسر خسراناً وغنى غنياناً. قال الحارث بن خالد: أجد بعمرة غنيانها *** فتهجر أم شاننا شانها والحسبان العذاب، ومنه قول الله عز وجل: "ويرسل عليها حسباناً من السماء"، والحسبان الاتكال، ولم نسمعه إلا مع ذكر الله عز وجل: يقال على الله حسباني وتكلاني قال الشاعر: على الله حسباني إن النفس أشرفت *** على طمع أو خاف شيئاً ضميرها وقال الله تعالى: "الشمس والقمر بحسبان" أي يطلعان ويغيبان بأوقات وقتها اله لا تزيد ولا تنقص، فكانت كصحة ما يحسب. قال الله عز وجل: "وجعلنا الليل والنهار أيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا". وأجمع الحساب من كل جنس وملة، بكل خط ولغة، على أن تراكيب الحساب لا تعدوا أربعة: عدد يضرب في عدد، أو قسمة عدد على عدد. أو إلقاء عدد من عدد. أو زيادة عدد على عدد، وتكلموا في أوائل العدد ونهاياتها بكلام كثير، أحسنه ما قال الهند: إن الأعداد تبتدئ من واحد وتنتهي إلى تسعة، ثم تكون العشرة راجعة إلى حال الواحد على الرتبة. وعلى هذا وصفوا حروفهم التسعة وقالوا: الحساب الهندي أخرج لكثير العدد إلا أن الكتاب اجتنبوه لأن له آلة، ورأوا أن ما قلت آلته، وانفرد الإنسان فيه بآلة من جسمه، كان أذهب في السر وأليق بشأن الرياسة، وهو ما اقتصروا عليه من العقد والبنان وإخراج رؤوس الجمل في أواخر السطور، وحط التفصيلات عنها واحداً دون آخر، وفرعاً دون أصل. وعني بعض الكتاب بذلك، حتى خف عقده وصار يلحق ببنانه، مثل ما يلحق ببصره، ولا يستبين الناظر مواقع أنامله. وقد شبه عبد الله بن أيوب بن محمد التيمي وميض البرق بخفة يد الحاسب فقال: أعني على بارق ناظر *** خفي كوحيك بالحاجب كأن تألقه في السما *** يدا كاتب أو يدا حاسب وقال بعض الكتاب: وناطق تخبر ألفاظه *** عن نغمات العود بالزمر بينا تراه عاقداً خمسة *** وستة صار إلى عشر وصار من بعد إلى واحد *** كحاسب أخطأ في كسر ومن أحسن ما قيل في تشبيه يد الحاسب بوميض البرق بعد قول التيمي قول عنترة من أبيات: وفرضت للناس الكتابة فاحتذوا *** فيها مثالك والعلوم فرائض وإذا خططت فأنت غيث معشب *** وإذا حسبت فأنت برق وامض وإذا نهضت فأنت نجم ثاقب *** وإذا جلست فأنت ليث رابض فبك التمثل حين ينعت فاضل *** وإليك يرجع حين يشكل غامض وقد زعم قوم أن قول الله عز وجل: "فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة". إنما قصد به الإفادة إذ كانت العرب لا تعرف دقيق الأعداد وليست ممن يحسن الحساب واحتجوا بقول الفرزدق: ثلاث واثنتان فهن خمس *** وواحدة تميل إلى سمام قالوا: فلولا أنه رأى ذلك فائدة ما قاله. واحتجوا بقول النبي حدثنا، حين أخبر أن الشهر قد يكون تسعاً وعشرين "الشهر هكذا" وفتح أصابع يديه العشر "وهكذا وهكذا" وثني إحدى أصابعه في الثالثة. وقيل: المعنى أنه لما فصل بين السبع والثلاثة بإفطار أخبر أنها كالمتصلة، إذ كان قد أتى بها كما أمر فقد كملت له. وقيل: بل أراد أنها كملت فدية حين وصل السبعة بالثلاثة. وكان بعض العرب باع جوهراً نفيساً، بألف درهم فقيل له: قد كان يساوي أكثر من هذا فقال: ما ظننت أن عدداً أكثر من ألف. وقال ابن الرومي: وكنت حسبت فلما حسبت *** زاد الحساب على المحسبة وقال الخليل بن أحمد يهجو رجلاً كانت يداه مقبوضتين عن البذل فقال: كفاك لم يخلقا للندى *** ولم يك بخلهما بدعة فكف ثلاثة آلافها *** وتسع مئيها لها شرعه وكف عن الخير مقبوضة *** كما نقصت مائة سبعه وقال النابغة للنعمان في اعتذاره إليه: كن حكيماً في إنصافي، كما حكمت جارية كانت لها حمامة، فرأت قطاً محزرته ستاً وستين فقالت: ليت الحمام ليه *** إلى حمامتيه أو نصفه قديه *** ثم الحمام مائه قالوا: وكانت لها قطاة وجعلت القطا حماماً. وقيل: أراد النابغة: احكم علي بعدل، كما حكمت هذه في العدد فأصابت. والأول أجود وهو قول الأصمعي، أفلا ترى إلى النابغة كيف حكى هذا ونسب هذه الفتاة إلى حكمة وعدل حين أحسنت العدد فقال. واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت *** إلى حمام سراع وارد الثمد الثمد الماء القليل. قال أبو عبيدة: وكان يقال للجارية: الزرقاء واسمها عنز، وكانت من جديس. وقال غيره: القائلة لهذا هند بنت الخس: قالت: ألا ليتما هذا الحمام لنا *** إلى حمامتنا أو نصفه فقد قولها "فقد" أي حسبي وقدك حسبك. فحسبوه فألفوه كما زعمت *** تسعاً وتسعين لم ينقص ولم يزد فكلمت مائة فيها حمامتها *** وأسرعت حسبة في ذلك العدد ومن المشهور الذي يتطارحه الناس أشعار: لها الثلثان من قلبي *** وثلثا ثلثها الباقي وثلثا ثلث ما يبقى *** وثلث الثلث للساقي وتبقى حصص ست *** لقسم بين عشاق الأصل مائتان وثلاثة وأربعون، ذهب الثلثان مائة واثنان وستون، الباقي أحد وثلاثون، ذهب ثلثا ثلثه، يبقى سبعة وعشرون فيذهب ثمانية عشر وهو قوله: وثلثا ثلث ما يبقى وتبقى تسعة ثلثها للساقي، وهو قوله: وثلث الثلث للساقي ويبقى ستة فصيرها حصصاً ليستوي له الشعر. فقال: ويبقى حصص ست لأنه لو قال: اسهم كانت ستة.
|