الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
لما كان من آثار الحمل ذكره عقيب العدة. (قوله: ومن قال إن نكحتها فهي طالق فولدت لستة أشهر منذ نكحها لزمه نسبه ومهرها) أما النسب فلأنها فراشه؛ لأنها لما جاءت بالولد لستة أشهر من وقت النكاح فقد جاءت به لأقل منها من وقت الطلاق فكان العلوق قبله في حالة النكاح والتصور ثابت بأن تزوجها وهو مخالطها فوافق الإنزال النكاح والنسب مما يحتاط في إثباته والتزوج في هذه الحالة إما بتكلمهما وسماع الشهود أو بأنهما وكلا في التزويج فزوجهما الوكيل وهما في هذه الحالة والثاني أحسن كما لا يخفى ولقائل أن يقول إن الحمل على ما إذا تزوجها وهو مخالط لها حمل المسلم على الحرام وهو لا يجوز ولذا فر بعض المشايخ عن إثبات هذا التصور، وقال لا حاجة إلى هذا التكلف بل قيام الفراش كاف ولا يعتبر إمكان الدخول؛ لأن النكاح قائم مقامه كما في تزوج المشرقي بمغربية بينهما مسيرة سنة فجاءت بولد لستة أشهر من يوم تزوجها لكن في فتح القدير والحق أن التصور شرط ولذا لو جاءت امرأة الصبي بولد لا يثبت نسبه والتصوير ثابت في المغربية لثبوت كرامات الأولياء والاستخدامات فيكون صاحب خطوة أو جني ا هـ. ولم يجب عما ذكرناه قيد بأن تلده لستة أشهر من غير زيادة ولا نقصان؛ لأنها لو ولدته لأقل منها لم يثبت نسبه؛ لأن العلوق حينئذ من زوج قبل النكاح، ولو ولدته لأكثر منها لم يثبت أيضا لاحتمال حدوثه بعد الطلاق وقد حكمنا به حيث حكمنا بعدم وجوب العدة لكونه قبل الدخول والخلوة ولم يتبين بطلان هذا الحكم وتعقبه في فتح القدير بأن نفيهم النسب هنا في مدة يتصور أن يكون منه وهو سنتان ينافي الاحتياط في إثباته والاحتمال المذكور في غاية البعد فإن العادة المستمرة كون الحمل أكثر من ستة أشهر وربما يمضي دهور لم تسمع فيها الولادة لستة أشهر فكان الظاهر عدم حدوثه وحدوثه احتمال فأي احتياط في إثبات النسب إذا نفيناه لاحتمال ضعيف يقتضي نفيه وتركنا ظاهرا يقتضي ثبوته وليت شعري أي الاحتمالين أبعد الاحتمال الذي فرضوه لتصور العلوق منه ليثبتوا النسب وهو كونه تزوجها وهو يطؤها وسمع كلامهما الناس وهما على تلك الحالة ثم وافق الإنزال العقد أو احتمال كون الحمل إذا زاد على ستة أشهر بيوم يكون من غيره ا هـ. وأما المهر فلأنه لما ثبت النسب منه جعل واطئا حكما فتأكد المهر به وقال أبو يوسف في الإملاء القياس أنه يجب مهر ونصف بالوطء بعد وقوع الطلاق وقبله والجواب أنا إذا قدرنا أنه تزوجها حالة المواقعة لم تكن المواقعة بعد الطلاق فلا يلزمه إلا مهر واحد ذكره ابن بندار في شرح الجامع الصغير وبه اندفع ما قيل لا يلزم من ثبوت النسب منه وطؤه؛ لأن الحمل قد يكون بإدخال الماء الفرج بدون جماع مع أنه نادر والوجه الظاهر هو المعتاد، وفي فتح القدير واعلم أنه إذا كان الأصح في ثبوت هذا النسب إمكان الدخول وتصوره ليس إلا بما ذكر من تزويجها حال وطئها المبتدأ به قبل التزوج وقد حكم فيه بمهر واحد في صريح الرواية يلزم كون ما ذكر مطلقا ومنسوبا وقدمناه في باب المهر من أنه لو تزوجها في حال ما يطؤها كان عليه مهران مهر بالزنا لسقوط الحد بالتزوج قبل تمامه ومهر بالنكاح؛ لأن هذا أكثر من الخلوة مشكلا لمخالفته لصريح المذهب وأيضا الفعل واحد وقد اتصف بشبهة الحل فيجب مهر واحد بخلاف ما لو قال إن تزوجتها فهي طالق ونسي فتزوجها ووطئها حيث يجب مهر ونصف؛ لأن الطلاق قبل الوطء أما هنا الطلاق مع الوطء الحلال في فعل متحد فصار الفعل كله له شبهة الحل وقد وجب المهر فلا يجب مهر آخر ا هـ. وقد دل كلام المصنف على مسألتين إحداهما أن من طلق امرأته قبل الدخول بها فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر منذ طلقها أنه يلزمه لتيقننا بالعلوق حال قيام النكاح وإن جاءت به لستة أشهر أو أكثر لا يلزمه لعدم التيقن بذلك ويستوي في هذا الحكم ذوات الأقراء وذوات الأشهر ثانيهما أن من تزوج امرأة فولدت لأقل من ستة أشهر من وقت النكاح لا يثبت نسبه وستأتي صريحة وذكر في النهاية أنه لا يكون محصنا بالوطء في مسألة الكتاب. (قوله: ويثبت نسب ولد معتدة الرجعي وإن ولدته لأكثر من سنتين ما لم تقر بمضي العدة وكانت رجعة في الأكثر منهما لا في الأقل منهما) أي: من السنتين لاحتمال العلوق في حالة العدة لجواز أنها تكون ممتدة الطهر، فإن جاءت به لأقل من سنتين بانت من زوجها لانقضاء العدة وثبت نسبه لوجود العلوق في النكاح أو في العدة ولا يصير مراجعا؛ لأنه يحتمل العلوق قبل الطلاق ويحتمل بعده فلا يصير مراجعا بالشك وإن جاءت به لأكثر من سنتين كانت رجعة؛ لأن العلوق بعد الطلاق والظاهر أنه منه لانتفاء الزنا منها فيصير بالوطء مراجعا والأصل أن أقل مدة الحمل ستة أشهر وأكثرها سنتان ففي كل موضع يباح الوطء فيه فهي مقدرة بالأقل وهو أقرب الأوقات إلا أن يلزم إثبات رجعة بالشك أو إيقاع طلاق بالشك أو استحقاق مال بالشك فحينئذ يستند العلوق إلى أبعد الأوقات وهو ما قبل الطلاق؛ لأن هذه الأشياء لا تثبت بالشك. وفي كل موضع لا يباح الوطء فيه فمدة الحمل سنتان ويكون العلوق مستندا إلى أبعد الأوقات للحاجة إلى إثبات النسب وأمره مبني على الاحتياط كذا في غاية البيان أطلق في الأكثر منهما فشمل عشرين سنة أو أكثر وقيد بعدم إقرارها؛ لأنها لو أقرت بانقضائها والمدة محتملة بأن يكون ستين يوما على قول أبي حنيفة وتسعة وثلاثين يوما على قولهما ثم جاءت بولد لا يثبت نسبه إلا إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر من وقت الإقرار فإنه يثبت نسبه للتيقن بقيام الحمل وقت الإقرار فيظهر كذبها وإنما نفى الأقل بقوله لا في الأقل منهما مع فهمه من التقييد بالأكثر لبيان أن حكم السنتين حكم الأكثر ولذا قال في الاختيار وإذا جاءت به لسنتين أو أكثر كان رجعة ا هـ. وأطلق في المعتدة فشمل المعتدة بالحيض أو بالأشهر ليأسها ولا فرق بينهما كما في البدائع إلا إذا أقرت بانقضائها بالأشهر لإياسها مفسرا بثلاثة أشهر فإنه يثبت نسب ولدها إذا جاءت به لأقل من سنتين من وقت الطلاق بائنا كان أو رجعيا؛ لأنها لما ولدت تبين أنها لم تكن آيسة فتبين أن عدتها لم تكن بالأشهر فلم يصح إقرارها بانقضاء عدتها بالأشهر فصار كأنها لم تقر أصلا. (قوله: والبت لأقل منهما) أي: ويثبت نسب ولد معتدة الطلاق البائن إذا ولدته لأقل من سنتين من وقت الطلاق؛ لأنه يحتمل أن يكون الولد قائما وقت الطلاق فلا يتيقن بزوال الفراش فيثبت النسب احتياطا. (قوله: وإلا لا) صادق بصورتين بما إذا أتت به لسنتين فقط وبما إذا أتت به لأكثر منهما واقتصر الشارح على الثاني وصرح في المجتبى والنقاية بأن حكم السنتين كالأكثر وهو ظاهر المختصر أما إذا أتت به لأكثر منهما فظاهر؛ لأن الحمل حادث بعد الطلاق فلا يكون منه لحرمة وطئها في العدة بخلاف الرجعي. وأما إذا أتت به لتمام السنتين فمشكل فإنهم اتفقوا على أن أكثر مدة الحمل سنتان وألحقوا السنتين بالأقل منهما حتى أنهم أثبتوا النسب إذا جاءت به لتمام سنتين وجوابه بالفرق فإن في مسألة البيتوتة إذا جاءت به لسنتين من وقت الطلاق لو أثبتنا النسب منه للزم أن يكون العلوق سابقا على الطلاق حتى يحل الوطء فحينئذ يلزم كون الولد في بطن أمه أكثر من سنتين، وفي الحديث لا يمكث الولد أكثر من سنتين في بطن أمه بخلاف غير المبتوتة لحل الوطء بعد الطلاق ولم يذكر المصنف في مسألة المبتوتة القيد الذي ذكره في الرجعية وهو عدم الإقرار بانقضاء عدتها مع أنه قيد فيهما كما صرح به في البدائع وقوله وإلا لا مقيد بما إذا لم تلد ولدا قبله لأقل من سنتين وبينهما أقل من ستة أشهر حتى لو ولدت توأمين أحدهما لأقل من سنتين والآخر لأكثر منهما ثبت نسبهما منه عند أبي حنيفة وأبي يوسف كالجارية إذا ولدت ولدين بعد بيعها ثم ادعى البائع الأول ثبت نسبهما منه؛ لأنهما خلقا من ماء واحد وقال محمد لا يثبت نسبهما؛ لأن الثاني من علوق حادث فمن ضرورته أن يكون الأول كذلك بخلاف مسألة الجارية؛ لأنه يحتمل أن يكون الأول علق به وهو في ملكه لعدم الاستحالة حتى لو ولدت أحدهما لأقل من سنتين والآخر لأكثر ينبغي أن يكون الحكم كذلك أو نقول يمكن أن يفرق بينهما بأن البائع التزمه قصدا بالدعوة والزوج لم يدع حتى لو ادعى الزوج الأول كان مثله، ولو خرج بعضه لأقل من سنتين وباقيه لأكثر من سنتين لا يلزمه حتى يكون الخارج لأقل من سنتين نصف بدنه أو يخرج من قبل الرجلين أكثر البدن لأقل والباقي لأكثر ذكره محمد ولم يذكر المصنف رحمه الله أن عدتها انقضت بوضع الحمل أو قبله قالوا فيما إذا ولدته لأكثر يحكم بانقضاء عدتها قبل ولادتها بستة أشهر عند أبي حنيفة ومحمد فيجب أن ترد نفقة ستة أشهر حملا على أنه من غيره بنكاح صحيح وأقل مدة الحمل ستة أشهر فقد أخذت مالا لا تستحقه في هذه الستة أشهر فترده. وقال أبو يوسف لا تنقضي إلا بوضع الحمل بدليل جواز عدم تزوجها بالغير قبل وضعه فيحمل على الوطء بشبهة وذكر القاضي الإسبيجابي وكذلك إذا طلق الرجل امرأته في حال المرض فامتد مرضه إلى سنتين وامتدت عدتها إلى سنتين ثم مات ثم ولدت المرأة بعد الموت بشهر وقد كان أعطاها النفقة إلى وقت الوفاة فإنها لا ترثه ويسترد منها نفقة خمسة أشهر عند أبي حنيفة ومحمد قاله وقال أبو يوسف ترث ولا يسترد منها شيئا ا هـ. وأطلق في البت فشمل الواحدة والثلاث كما في البدائع وشمل الحرة والأمة لكن بشرط أن لا يملكها بعد الطلاق فلو تزوج أمة ثم دخل بها ثم طلقها واحدة ثم ملكها يلزمه ولدها إن جاءت به لأقل من ستة أشهر من يوم الملك ولا يلزمه إذا جاءت به لستة أشهر فصاعدا كما سيأتي في آخر الباب مفصلا، واعلم أن ثبوت النسب فيما ذكر من ولد المطلقة الرجعية والبائنة مقيد بما سيأتي من الشهادة بالولادة أو اعتراف من الزوج بالحبل أو حبل ظاهر، وفي الخانية المعتدة عن طلاق بائن إذا تزوجت بزوج آخر في العدة وولدت بعد ذلك إن ولدت لأقل من سنتين من وقت طلاق الأول ولأقل من ستة أشهر من وقت نكاح الثاني كان الولد للأول وإن ولدت لأكثر من سنتين من وقت طلاق الأول لا يلزم الأول ثم ينظر إن ولدت لستة أشهر من وقت نكاح الثاني فالولد للثاني وإلا فلا ا هـ. وبه علم أن ما في المختصر شامل لما إذا تزوجت المبتوتة في العدة أو لم تتزوج ولم يبين في الخانية فيما إذا أتت به لأقل من وقت طلاق الأول ولستة أشهر من وقت نكاح الثاني، وفي البدائع أنه للثاني والنكاح جائز؛ لأن إقدامها على التزوج دليل انقضاء عدتها من الأول وكذلك إذا أتت به للأكثر من وقت الطلاق ولأقل من ستة أشهر من وقت النكاح ولم يثبت من الأول ولا من الثاني فإن النكاح صحيح عندهما خلافا لأبي يوسف بناء على تزوج الحامل من الزنا هذا إذا لم يعلم أنها كانت معتدة وقت النكاح، فإن علم وقع الثاني فاسدا، فإن جاءت بولد فإن النسب يثبت من الأول إن أمكن إثباته منه بأن جاءت به لأقل من سنتين منذ طلقها الأول أو مات ولستة أشهر فأكثر منذ تزوجها الثاني، فإن جاءت به لأكثر من سنتين من وقت الطلاق ولستة أشهر من وقت التزوج فهو للثاني كذا في البدائع. (قوله: إلا أن يدعيه) استثناء من النفي يعني إذا جاءت به المبتوتة لأكثر وادعاء الزوج يثبت نسبه منه؛ لأنه التزمه وله وجه بأن وطئها بشبهة في العدة كذا في الهداية وغيرها وتعقبه في التبيين بأن المبتوتة بالثلاث إذا وطئها الزوج بشبهة كانت شبهة في الفعل وفيها لا يثبت النسب وإن ادعاه نص عليه في كتاب الحدود فكيف أثبت به النسب هنا ا هـ. وجوابه تسليم أن شبهة الفعل لا يثبت النسب فيها وإن ادعاه إذا كانت متمحضة وإلا فلا كما في المطلقة ثلاثا أو على مال فإنه لا يثبت النسب فيهما بالدعوة؛ لأن الشبهة فيهما لم تتمحض للفعل بل هي شبهة عقد أيضا فلا يكون بين النصين تناقض، وهذا أولى من حمل بعضهم المذكور هنا على المبانة بالكنايات فإن الشبهة فيها شبهة المحل، وأما المطلقة ثلاثا أو على مال فلا يثبت فيها النسب بالدعوة؛ لأن المنصوص عليه هنا أعم من المبتوتة بالكنايات أو بالثلاث أو على مال وقد صرح ابن الملك في شرح المجمع أن من وطئ امرأة أجنبية زفت إليه وقيل له إنها امرأتك فهي شبهة في الفعل وأن النسب يثبت إذا ادعاه فعلم أنه ليس كل شبهة في الفعل تمنع دعوى النسب وأطلق في المختصر فأفاد أنه لا يشترط تصديق المرأة وفيه روايتان كما في البدائع والأوجه أنه لا يشترط؛ لأنه ممكن منه وقد ادعاه ولا معارض ولذا لم يشترطه السرخسي والبيهقي فدل على ضعف رواية الاشتراط وغرابتها كغرابة ما نقله في المجتبى أن توقف ثبوت النسب فيما إذا جاءت به للأكثر على الدعوى إنما هو قول أبي يوسف، وأما عندهما فيثبت النسب بلا دعوة لاحتمال الوطء بشبهة في العدة ا هـ. وفي البدائع وكل جواب عرفته في المعتدة عن طلاق فهو الجواب في المعتدة من غير طلاق من أسباب الفرقة ا هـ. (قوله: والمراهقة لأقل من تسعة أشهر وإلا لا) أي: ويثبت نسب ولد المطلقة المراهقة إذا أتت به لأقل من تسعة أشهر وقد كان دخل بها ولم تقر بانقضاء عدتها ولم تدع حبلا وإن جاءت به لتسعة أشهر فأكثر لا يثبت، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد سواء كان الطلاق رجعيا أو بائنا كما أطلقه المصنف، وقال أبو يوسف: يثبت النسب إلى سنتين في الطلاق البائن كالكبيرة وإلى سبعة وعشرين شهرا في الطلاق الرجعي؛ لأنه يجعل واطئا في آخر العدة وهي الثلاثة الأشهر ثم تأتي به لأكثر مدة الحمل وهي سنتان ولهما أن لانقضاء عدة الصغيرة جهة متعينة وهي الأشهر فبمضيها يحكم الشرع بالانقضاء وهو في الدلالة فوق إقرارها؛ لأنه لا يحتمل الخلاف والإقرار يحتمله، فإذا ولدت قبل مضي تسعة أشهر من وقت الطلاق تبين أن الحمل كان قبل انقضاء العدة وإن ولدته لتسعة أشهر فأكثر فهو حمل حادث بعد انقضاء عدتها بالأشهر وقد وقع في البدائع هذا غلط فاجتنبه فإنه قال: إذا لم تقر بانقضاء عدتها، فإن جاءت به لأقل من ستة أشهر من وقت الطلاق يثبت النسب وإن جاءت به لستة أشهر أو لأكثر لا يثبت وصوابه إبدال الستة بالتسعة كما في المختصر أو إبدال قوله من وقت الطلاق بقوله من وقت انقضاء العدة بالأشهر الثلاثة والعبارتان سواء قيد المصنف بكونها مطلقة؛ لأنها لو مات عنها زوجها ولم تقر بالحبل ولا بانقضاء العدة فعندهما إن ولدت لأقل من عشرة أشهر وعشرة أيام يثبت النسب؛ لأنه تبين أنه كان موجودا قبل مضي عدة الوفاة وإلا لم يثبت؛ لأنه حادث بعد مضيها وعند أبي يوسف يثبت إلى سنتين كالكبيرة. وإن أقرت بانقضاء العدة بعد أربعة أشهر وعشر ثم ولدت لستة أشهر فصاعدا لم يثبت النسب منه، وقيدنا بكونه دخل بها؛ لأنه لو لم يدخل بها وجاءت بولد، فإن كان لأقل من ستة أشهر من وقت الطلاق يثبت نسبه وإن جاءت به لأكثر منها لا يثبت لحصول العلوق وهي أجنبية كما في غاية البيان وقيدنا بكونها لم تقر بانقضائها؛ لأنها لو أقرت به بعد ثلاثة أشهر ولم تدع حبلا ثم جاءت بولد، فإن كان لأقل من ستة أشهر من وقت الإقرار يثبت النسب وإن جاءت به لستة أشهر أو أكثر لم يثبت النسب لانقضاء العدة ومجيء الولد لمدة حبل تام بعده وقيدنا بكونها لم تدع حبلا؛ لأنها لو أقرت بالحبل فهو إقرار منها بالبلوغ فيقبل قولها فصارت كالكبيرة في حق ثبوت نسبه من حيث إنها لا يقتصر انقضاء عدتها على أقل من تسعة، فإن كان الطلاق بائنا يثبت نسب ولدها لأقل من سنتين وإن كان رجعيا يثبت نسبه إذا أتت به لأقل من سبعة وعشرين شهرا كما في غاية البيان لا مطلقا فإن الكبيرة يثبت نسب ولدها في الطلاق الرجعي لأكثر من سنتين وإن طال إلى سن الإياس لجواز امتداد طهرها ووطئه إياها في آخر الطهر وتعبير المصنف بالمراهقة أولى من تعبير كثير بالصغيرة؛ لأن المراهقة هي التي تلد لا ما دونها ومن تعبير الهداية بالصغيرة التي يجامع مثلها كما لا يخفى. (قوله: والموت لأقل منهما) معطوف على الرجعي أي: ويثبت نسب ولد معتدة الموت إذا جاءت به لأقل من سنتين من وقت الموت وقال زفر إذا جاءت به بعد انقضاء عدة الوفاة لستة أشهر لا يثبت النسب؛ لأن الشرع حكم بانقضاء عدتها بالشهور لتعين الجهة فصار كما إذا أقرت بالانقضاء كما بينا في الصغيرة إلا أنا نقول لانقضاء عدتها جهة أخرى وهو وضع الحمل بخلاف الصغيرة؛ لأن الأصل فيها عدم الحمل؛ لأنها ليست بمحل له قبل البلوغ وفيه شك أطلق في معتدة الموت وهو مقيد بالكبيرة، وأما الصغيرة فقدمنا حكمها ومقيد بما إذا لم تقر بانقضاء عدتها وأما إذا أقرت فهي داخلة في عموم المسألة الآتية عقيب هذه وشمل كلامه المدخول بها وغيرها كما في البدائع وشمل ما إذا كانت من ذوات الأقراء أو من ذوات الأشهر لكن قيده في البدائع بأن تكون من ذوات الأقراء. قال: وأما إذا كانت من ذوات الأشهر، فإن كانت آيسة أو صغيرة فحكمها في الوفاة ما هو حكمها في الطلاق وقد ذكرناه ا هـ. وقيد بالأقل؛ لأنها لو جاءت بولد لأكثر من سنتين من وقت الموت لا يثبت نسبه كذا في البدائع ولم أر من صرح بالسنتين وينبغي أن يكون كالأكثر كما تقدم في نظيره. (قوله: والمقرة بمضيها لأقل من ستة أشهر من وقت الإقرار وإلا لا) أي: ويثبت نسب ولد المعتدة المقرة بمضيها إذا جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر من وقت الإقرار؛ لأنه ظهر كذبها بيقين فيبطل الإقرار، ولو جاءت به لستة أشهر أو أكثر من وقت الإقرار لم يثبت؛ لأنا لم نعلم بطلان الإقرار لاحتمال الحدوث بعده وهو المراد بقوله وإلا لا وذكر في التبيين أن هذا إذا جاءت به لأقل من سنتين من وقت الفراق بالموت أو بالطلاق وإن جاءت به لأكثر منهما لا يثبت وإن كان لأقل من ستة أشهر من وقت الإقرار كما إذا أقرت بعدما مضى من عدتها سنتان إلا شهرين فجاءت بولد بعد ثلاثة أشهر من وقت الإقرار لم يثبت نسبه منه؛ لأن شرط ثبوته أن يكون لأقل من سنتين من وقت الفراق بالموت أو بالطلاق وبعده لا يثبت وإن لم تقر بالانقضاء فمع الإقرار أولى إلا إذا كان الطلاق رجعيا فحينئذ يثبت ويكون مراجعا على ما بينا من قبل. بقي فيه إشكال وهو ما إذا أقرت بانقضاء عدتها ثم جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من وقت الإقرار ولأقل من سنتين من وقت الفراق ينبغي أن لا يثبت نسبه إذا كانت المدة تحتمل ذلك بأن أقرت بعد ما مضى سنة مثلا ثم جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من وقت الإقرار؛ لأنه يحتمل أن عدتها انقضت في شهرين أو ثلاثة أشهر ثم أقرت بعد ذلك بزمان طويل ولا يلزم من إقرارها بانقضاء العدة أن تنقضي في ذلك الوقت فلم يظهر كذبها بيقين إلا إذا قالت انقضت عدتي الساعة ثم جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من ذلك الوقت ا هـ. وهذا الإشكال ظاهر ويجب أن يكون كلامهم محمولا على ما إذا أقرت بالانقضاء الساعة كما يفهم من غاية البيان أطلق المعتدة فشمل المعتدة عن طلاق بنوعيه وعن وفاة كما في الهداية لكن في الخانية والآيسة تعتد بالأشهر، فإذا ولدت ثبت نسب ولدها في الطلاق إلى سنتين أقرت بانقضاء العدة أو لم تقر ا هـ. وقدمناه عن البدائع فارجع إليه. (قوله: والمعتدة إن جحدت ولادتها بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين أو حبل ظاهر أو إقرار به أو تصديق الورثة) أي: ويثبت نسب ولد المعتدة إن جحدت ولادتها بأحد أمور أربعة فلا يثبت بشهادة امرأة واحدة عند أبي حنيفة خلافا لهما؛ لأن الفراش قائم بقيام العدة وهو ملزم للنسب والحاجة إلى تعيين الولد فيه فيتعين بشهادتها وله أن العدة تنقضي بإقرارها بوضع الحمل والمنقضي ليس بحجة فمست الحاجة إلى إثبات النسب ابتداء فيشترط كمال الحجة وإنما اكتفي بظهور الحبل أو الاعتراف به؛ لأن النسب ثابت قبل الولادة والتعيين يثبت بشهادتها وإنما اكتفي بتصديق الورثة إذا كانت معتدة عن وفاة فصدقها الورثة في الولادة ولم يشهد أحد عليها في قولهم جميعا؛ لأن الإرث خالص حقهم فيقبل فيه تصديقهم. وأما في النسب فظاهر المختصر أنه يثبت في حق غيرهم أيضا؛ لأن الثبوت في حق غيرهم تبع للثبوت في حقهم ولذا كان الأصح أنه لا يشترط في تصديقهم لفظ الشهادة في مجلس الحكم ولذا عبر في المختصر بلفظ التصديق دون الشهادة؛ لأن ما ثبت تبعا لا تراعى فيه الشرائط وقيل يشترط ليتعدى إلى غير المصدق وقيد بأن يكون المصدق جمعا من الورثة؛ لأن المصدق لو كان رجلا أو امرأة لم يشارك جميع الورثة ولو صدقها رجل وامرأتان منهم شارك المصدقين والمكذبين فكان ذلك كشهادة غيرهم إلا أنهم لم يعتبروا لفظ الشهادة والخصومة بين يدي القاضي؛ لأنه يشبه الإقرار؛ لأنه يشاركهم بإقرارهم فمن حيث إنه يشبه الشهادة اعتبر العدد ومن حيث إنه يشبه الإقرار ما اعتبرنا الخصومة وإتيان لفظ الشهادة توفيرا على الشبهين حظهما كذا في شرح الجامع الصغير لابن بندار وحاصله أنه يشترط أحد شرطي الشهادة في تصديقهم وهو العدد نظرا إلى أنه شهادة ولم يشترط لفظ الشهادة وينبغي أن لا تشترط العدالة أيضا وعلى هذا لو قال المصنف وتصديق ورثة بالتنكير لكان أولى؛ لأن الألف واللام أبطلت معنى الجمعية كما في قوله لا أشتري العبيد ولا أتزوج النساء لكن ذكر في البدائع أن العدد إنما اشترطه من جعلها شهادة كما اشترط لفظها ومن جعل التصديق إقرارا فلم يشترط لفظها ولم يشترط العدد أيضا وعبارة فتاوى قاضي خان امرأة ولدت بعد موت زوجها ما بينها وبين سنتين إن صدقها الورثة في الولادة يثبت نسب الولد من الميت في حق من صدقها وهل يثبت النسب في حق غيرهم إن كان يتم نصاب الشهادة بهم يثبت واختلفوا في اشتراط لفظ الشهادة ا هـ. وظاهره أن العدد لا بد منه ليتعدى في حق الكل عند الكل وأطلق في المعتدة فشمل المعتدة عن طلاق رجعي أو بائن والمعتدة عن وفاة كما صرح به في غاية البيان معزيا إلى فخر الإسلام وقيدها الإمام السرخسي بالطلاق البائن والحق التفصيل في المعتدة عن طلاق رجعي إن أتت به لأقل من سنتين فكالمعتدة عن طلاق بائن لانقضاء فراشها بالولادة وإن أتت به لأكثر من سنتين يثبت نسب ولدها بشهادة القابلة من غير زيادة شيء اتفاقا كما في المنكوحة؛ لأن الفراش ليس بمنتقض في حقها؛ لأنها تكون رجعة كما قدمناه وصرح في البدائع بأنه لا فرق بين الرجعي والبائن إلا أنه علل بما يخص الأول بقوله؛ لأنها بعد انقضاء العدة أجنبية في الفصلين جميعا. وقيد المصنف بقوله إن جحدت ولادتها؛ لأنه لو اعترف بولادتها وأنكر تعيين الولد فإنه يثبت تعيينه بشهادة القابلة إجماعا ولا يثبت نسب الولد إلا بشهادتها إجماعا لاحتمال أن يكون هو غير هذا المعين وظاهر كلام المصنف أنه لا يحتاج إلى شهادة القابلة مع ظهور الحبل أو اعتراف الزوج بالحبل وقد صرح به في البدائع فقال: وإن كان الزوج قد أقر بالحبل أو كان الحبل ظاهرا فالقول قولها في الولادة وإن لم تشهد لها قابلة في قول أبي حنيفة وعندهما لا تثبت الولادة بدون شهادة القابلة. وهكذا صرح في الغاية وأنكر على صاحب ملتقى البحار في اشتراطه شهادة القابلة لتعيين الولد عند أبي حنيفة ورده في التبيين بأنه سهو فإن شهادة القابلة لا بد منها لتعيين الولد إجماعا في جميع هذه الصور وإنما الخلاف في ثبوت نفس الولادة، وأما نسب الولد فلا يثبت بالإجماع إلا بشهادة القابلة لاحتمال أن يكون هو غير هذا المعين وثمرة الاختلاف لا تظهر إلا في حق حكم آخر كالطلاق والعتاق بأن علقهما بولادتها حتى يقع عند أبي حنيفة بقولها ولدت؛ لأنها أمينة لاعترافه بالحبل أو لظهوره فيقبل قولها وعندهما لا يقع حتى تشهد قابلة ا هـ. وذكر ابن بندار أنه بعد الثبوت بقيت مؤتمنة فكان القول قولها إلا أن القابلة جعلت شرطا للعادة؛ لأنها لا تلد إلا بالقابلة وإني أقول: إن القابلة شرط زوال التهمة كاليمين في رد الوديعة واليمين في دعوى انقضاء العدة، فإذا لم تشهد قابلة بقيت متهمة فلا يقبل قولها فيه ا هـ. كلامه وهو يصلح توفيقا لكلامهم فمن نفى اشتراط شهادة القابلة أفاد أنها ليست شرطا حقيقة لثبوت النسب ومن أثبته أراد به أنها شرط لزوال التهمة عن نفسها وهو كلام حسن يجب قبوله وأفاد بقوله شهادة رجلين قبول شهادة الرجال على الولادة من الأجنبية وأنهم لا يفسقون بالنظر إلى عورتها إما لكونه قد يتفق ذلك من غير قصد نظر ولا تعمد أو لضرورة كما في شهود الزنا ولا يخفى أنها إذا ولدت وجحد الزوج ولادتها وادعت أن حبلها كان ظاهرا وأنكر ظهوره فلا بد من إقامة البينة عليه إما رجلين أو رجل وامرأتين فظهور الحبل عند الإنكار إنما يكون بإقامة البينة؛ لأن الحبل وقت المنازعة لم يكن موجودا حتى يكفي ظهوره؛ لأنها بعد الولادة ولم أر من صرح به. (قوله: والمنكوحة لستة أشهر فصاعدا إن سكت وإن جحد بشهادة امرأة على الولادة) أي: يثبت نسب ولد المنكوحة حقيقة إذا جاءت به لستة أشهر أو أكثر من وقت التزوج بأحد الشيئين إما بالسكوت من غير اعتراف ولا نفي له وإما بشهادة القابلة عند إنكار الولادة؛ لأن الفراش قائم والمدة تامة فوجب القول بثبوته اعترف به أو سكت أو أنكر حتى لو نفاه لا ينتفي إلا باللعان، وفي التحقيق شهادة القابلة لم يثبت بها النسب؛ لأنه ثابت بقيام الفراش وإنما يثبت بها تعيين الولد، قيد بستة أشهر؛ لأنها لو ولدته لأقل منها لم يثبت نسبه؛ لأن العلوق سابق على النكاح فلا يكون منه ويفسد النكاح لاحتمال أنه من زوج آخر بنكاح صحيح أو بشبهة وأفاد أنها لو جاءت به لتمام ستة أشهر بلا زيادة أنها كالأكثر قالوا لاحتمال أنه تزوجها واطئا لها فوافق الإنزال النكاح. والنسب يحتاط في إثباته ويرد عليه ما تقدم في المبتوتة حيث نفى نسب ما أتت به لتمام سنتين مع تصحيحه بأنه طلقها حال جماعها، وصادف الإنزال الطلاق وأجيب عنه بأن ثبوت النسب هنا لحمل أمرها على الصلاح؛ إذ لو لم يثبت هنا لزم كونه من زنا أو من زوج فتزوجت به وهي في العدة، وأما عدم الثبوت هناك للشك فلا يستلزم نسبة فساد إليها لجواز كون عدتها قد انقضت وتزوجت بزوج آخر فعلقت منه أطلق المصنف في المرأة هنا وقيدها في الشهادات بالعدالة وقيدها في المبسوط بالحرية والإسلام ولم يشترط العدالة والظاهر الأول،. وفي الولوالجية رجل تزوج بامرأة فجاءت بسقط قد استبان خلقه، فإن جاءت به لأربعة أشهر جاز النكاح ويثبت النسب من الزوج الثاني وإن جاءت به لأربعة أشهر إلا يوما لم يجز النكاح؛ لأن في الوجه الأول الولد للزوج الثاني، وفي الوجه الثاني من الزوج الأول؛ لأن خلقه لا يستبين إلا في مائة وعشرين يوما فيكون أربعين يوما نطفة وأربعين علقة وأربعين مضغة ا هـ. (قوله: فإن ولدت ثم اختلفا فقالت نكحتني منذ ستة أشهر وادعى الأقل فالقول لها وهو ابنه)؛ لأن الظاهر شاهد لها فإنها تلد ظاهرا من نكاح لا من سفاح ولا من زوج تزوجت بهذا الزوج في عدته وهو مقدم على الظاهر الذي يشهد له وهو إضافة الحادث وهو النكاح إلى أقرب الأوقات؛ لأنه إذا تعارض ظاهران في ثبوت نسب قدم المثبت له لوجوب الاحتياط فيه حتى إنه يثبت بالإيماء مع القدرة على النطق بخلاف سائر التصرفات مع أن ظاهرها متأيد بظاهره وهو عدم مباشرته النكاح الفاسد إن كان الولد من زوج أو حبل من الزنا على الخلاف فيه ولم يذكر المصنف حرمتها عليه بهذا النفي؛ لأنه لا يلزم من تزوجها حاملا إثبات النسب فيكون إقرارا بالفساد كما إذا تزوجها بلا شهود لجوازه وهي حامل من زنا فإنه صحيح على الصحيح ولأن الشرع كذبه حيث أثبت النسب والشرع إذا كذب الإقرار يبطل كذا في فتح القدير وذكر في الخلاصة في كتاب القضاء من الفصل الثالث فيمن يكون خصما ومن لا يكون أن الإقرار إنما يبطل بتكذيب الشرع إذا كان التكذيب بالبينة، وأما إذا قضي باستصحاب الحال فلا يبطل كما لو اشترى عبدا وأقر أن البائع أعتقه قبل البيع وكذبه البائع فقضى القاضي بالثمن على المشتري لم يبطل إقرار المشتري بالعتق حتى يعتق عليه إلى آخر ما فيها ولم يذكر المصنف يمينها؛ لأنه لا تحليف عند الإمام؛ لأنه راجع إلى الاختلاف في النسب والنكاح وعندهما يستحلف وسيأتي أن الفتوى على قولهما في الأشياء الستة. (قوله: ولو علق طلاقها بولادتها وشهدت امرأة على الولادة لم تطلق) يعني لم يقع إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين عند أبي حنيفة وقالا تطلق؛ لأن شهادتها حجة في ذلك قال عليه السلام: «شهادة النساء جائزة فيما لا يطلع عليه الرجال» ولأنها لما قبلت على الولادة تقبل فيما يبتنى عليها وهو الطلاق ولأبي حنيفة أنها ادعت الحنث فلا يثبت إلا بحجة تامة، وهذا؛ لأن شهادتهن ضرورية في الولادة فلا تظهر في حق الطلاق؛ لأنه ينفك عنها وشرط في البدائع على قولهما أن تكون المرأة عدلة، قيد بالطلاق؛ لأن النسب يثبت بشهادتها، وكذا ما هو من لوازمه من أمومية الولد لو كانت أمة وثبوت اللعان فيما إذا نفاه ووجوب الحد بنفيه إن لم يكن أهلا للعان وليس مراده خصوص الطلاق بل كل ما لم يكن من لوازم الولادة فالعتاق كذلك. (قوله: وإن كان أقر بالحبل طلقت بلا شهادة) أي: بلا شهادة أحد أصلا عند أبي حنيفة وعندهما تشترط شهادة القابلة؛ لأنه لا بد من حجة لدعواها الحنث وشهادتها حجة فيه على ما بينا وله أن الإقرار بالحبل إقرار بما يفضي إليه وهو الولادة ولأنه أقر بكونها مؤتمنة فيقبل قولها في رد الأمانة وعلى هذا الخلاف لو كان الحبل ظاهرا أما عندهما فظاهر؛ لأنها مدعية فلا بد من إقامة البينة، وأما عنده فإن الطلاق تعلق بأمر كائن لا محالة فيقبل قولها فيه. والحاصل أن التعليق إن كان بما هو معلوم الوقوع بعده وعلمه من جهتها كما بحيضها وولادتها بعد الإقرار بحبلها أو ظهور حملها كان التزاما لتصديقها عند إخبارها به واعترافا بأنها مؤتمنة فيه وإن لم يكن كذلك وهو التعليق بولادتها قبل الاعتراف بحبل سابق ولا ظهور حبل حال التعليق لم يلتزم ذلك فيحتاج عند إنكاره إلى الحجة ولا خلاف أن النسب لا يثبت بدون شهادة القابلة كذا في البدائع. (قوله: وأكثر مدة الحمل سنتان) لقول عائشة رضي الله عنها الولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين، ولو بظل مغزل رواه الدارقطني والبيهقي وهو لا يعرف إلا سماعا وظل المغزل مثل لقلته؛ لأن ظله حالة الدوران أسرع زوالا من سائر الظلال وهو على حذف المضاف تقديره، ولو بقدر ظل مغزل ويروى ولو بفلكة مغزل أي، ولو بقدر دوران فلكة مغزل. (قوله: وأقلها ستة أشهر) لقوله تعالى: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} ثم قال {وفصاله في عامين} فيبقى للحمل ستة أشهر كذا في الهداية وقد نقل في فتح القدير أنه لا خلاف للعلماء فيه وأورد على ما في الهداية أنه مخالف لما قرره لأبي حنيفة في الرضاع من أن هذه المدة مضروبة بتمامها لكل من الحمل والفصال غير أن المنقص قام في أحدهما وهو الحمل وهو حديث عائشة رضي الله عنها قلنا قدمنا هناك أنه غير صحيح لما يلزم من أنه يراد بلفظ الثلاثين في إطلاق واحد حقيقة ثلاثين وأربعة وعشرين باعتبار إضافتين فلعله رجع إلى الصحيح. (قوله: فلو نكح أمة فطلقها فاشتراها فولدت لأقل من ستة أشهر منه) أي: من وقت الشراء (لزمه وإلا لا) أي: وإن ولدت لتمام ستة أشهر أو لأكثر منها لا يلزمه؛ لأن في الوجه الأول ولد المعتدة فإن العلوق سابق على الشراء وفي الوجه الثاني ولد المملوكة؛ لأنه يضاف الحادث إلى أقرب وقته حيث لم يتضمن إبطال ما كان ثابتا بالدليل أو ترك العمل بالمقتضي وبه اندفع ما أورد عليه كما علم في فتح القدير فلا بد من دعوته واقتصار الشارح على الأكثر في قوله وإلا لا لا ينبغي وقد صرح في فتح القدير بما ذكرناه أطلق في الأمة فشمل المدخول بها وغيرها كما أطلق في الطلاق فشمل الرجعي والبائن الواحدة والثنتين وكل من الإطلاقين غير صحيح، فإن كان بعد الدخول فلا فرق بين الرجعي والبائن إذا كان واحدة وإن كان قبل الدخول فإنه لا يلزمه الولد إلا أن تجيء بالولد لأقل من ستة أشهر من وقت الطلاق إذا ولدت لتمام ستة أشهر أو أكثر من وقت التزوج، وفي غاية البيان ولنا فيه نظر؛ لأن الطلاق قبل الدخول بائن والحكم في المبانة أن نسب ولدها يثبت إلى سنتين من وقت الطلاق نعم إن محمدا وضع المسألة في الجامع الصغير في المدخول بها ا هـ. وجوابه أن هذا حكم المبانة إذا كانت معتدة وغير المدخول بها لا عدة عليها، وأما إذا كان الطلاق ثنتين فإنه يمتد نسب الولد إلى سنتين من وقت الطلاق وإن لم يدع، فإن ولدت لأكثر من ذلك لا يثبت إلا إذا ادعاه لحرمتها حرمة غليظة فيضاف العلوق إلى أبعد الأوقات وهو ما قبل الطلاق حملا لأمرهما على الصلاح وذكر في غاية البيان أن في التقييد بالثنتين لهذا الحكم إيهاما؛ لأنه ربما يظن ظان أن الطلاق إذا كان واحدا بائنا لا يثبت النسب فيه إلى سنتين وليس كذلك؛ لأن النسب في البائن يثبت إلى سنتين من وقت الطلاق وإن لم يدع ا هـ. وجوابه بالفرق بين البينونة الخفيفة وبين الغليظة فإن في الخفيفة يعتبر وقت الشراء أيضا وهو أن تلده لأقل من ستة أشهر من وقت الشراء وإذا كان لسنتين من وقت الطلاق، وفي الغليظة لا يعتبر ذلك حتى لو ولدت لأكثر من ستة أشهر من وقت الشراء ولسنتين من وقت الطلاق ثبت نسبه بلا دعوة فظهر الفرق والإيهام في فهمه لا في كلام المشايخ، فالحاصل أنه يستثنى من حكم المسألة المذكورة في المختصر المطلقة قبل الدخول والمبانة بالثنتين فإن فيهما لا اعتبار لوقت الشراء وإنما يعتبر وقت الطلاق ففي الأولى يشترط لثبوت نسبه ولادته لأقل من ستة أشهر، وفي الثانية لسنتين فأقل. وقد علم مما قدمه المصنف أن هذه الأمة لو كان طلاقها رجعيا فإنه يثبت نسب ولدها وإن جاءت به لعشر سنين بعد الطلاق أو أكثر وإن كان بائنا فلا بد أن تأتي به لتمام سنتين أو أقل بعد أن يكون لأقل من ستة أشهر من وقت الشراء في المسألتين فلا يرد عليه ما إذا أتت به المبتوتة لأكثر من سنتين من وقت الطلاق ولأقل من ستة أشهر من وقت الشراء وإن كان داخلا في عبارته هنا لما قدمه سابقا والتقييد بالطلاق اتفاقي؛ لأن الحكم فيما إذا لم يطلقها واشتراها كذلك أي: كحكم المطلقة، فإن ولدته لستة أشهر أو أكثر من وقت الشراء لا يلزمه وإلا لزمه وتقييده في فتح القدير بالرجعي لا يفيد؛ لأن البائن هنا كالرجعي إلا إذا كان غليظا. والمراد من الشراء الملك أعم من أن يكون بشراء أو هبة أو إرث أو نحو ذلك؛ لأن المفسد للنكاح الملك لا خصوص سبب له وأشار باقتصاره على الشراء إلى أنه لا فرق في هذا الحكم بين أن يعتقها بعد الشراء أو لا وعند محمد يثبت النسب إلى سنتين بلا دعوة من يوم الشراء؛ لأنه بالشراء بطل النكاح ووجبت العدة لكنها لا تظهر في حقه للملك وبالعتق ظهرت وحكم معتدة لم تقر بانقضاء عدتها كذلك، ولو لم يعتقها ولكن باعها فولدت لأكثر من ستة أشهر منذ باعها فعند أبي يوسف لا يثبت النسب وإن ادعاه إلا بتصديق المشتري لما مر أن النكاح بطل وعند محمد يثبت بلا تصديق كما قال في العتق إلا أنه لا يثبت بلا دعوة؛ لأن العدة ظهرت ثم ولم تظهر هنا وقيد في فتح القدير حكم المسألة المذكورة في المختصر بما إذا اشتراها قبل أن تقر بانقضاء عدتها ولم يبين مفهومه. (قوله: ومن قال لأمته إن كان في بطنك ولد فهو مني فشهدت امرأة بالولادة فهي أم ولده)؛ لأن الحاجة إلى تعيين الولد ويثبت ذلك بشهادة القابلة بالإجماع وقد ذكر في المختصر المرأة دون القابلة وكثيرا ما يذكرون القابلة والظاهر أن كونها القابلة ليس بشرط أطلقه وقيدوه بأن تلده لأقل من ستة أشهر من وقت الإقرار وإن ولدته لستة أشهر أو أكثر لا يلزمه لاحتمال أنها حبلت بعد مقالة المولى فلم يكن المولى مدعيا هذا الولد بخلاف الأول لتيقننا بقيامه في البطن وقت القول فتيقناه بالدعوى وما في غاية البيان من أن هذا إذا ولدته لأقل من ستة أشهر من وقت الطلاق سبق قلم؛ إذ لا طلاق هنا؛ لأن الكلام في الأمة المملوكة له وإنما الاعتبار لوقت الإقرار. ومثله لو قال: إن كان في بطنك ولد فهو حر فولدت بعد ذلك لستة أشهر لم يعتق وإن ولدته لأقل منها عتق ولا فرق بين أن يقول في مسألة المختصر إن كان في بطنك ولد أو إن كان بها حبل فهو مني وقيد بالتعليق؛ لأنه لو قال هذه حامل مني يلزمه الولد وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر إلى سنتين حتى ينفيه كما في الغاية. (قوله: ومن قال لغلام هو ابني ومات فقالت أمه أنا امرأته وهو ابنه يرثانه) والقياس أن لا ميراث لها؛ لأن النسب كما يثبت بالنكاح الصحيح يثبت بالنكاح الفاسد وبالوطء عن شبهته وبملك اليمين فلم يكن قوله إقرارا بالنكاح وجه الاستحسان أن المسألة فيما إذا كانت معروفة بالحرية وبكونها أم الغلام والنكاح الصحيح هو المتعين لذلك وضعا وعادة؛ لأنه الموضوع لحصول الأولاد دون غيره فهما احتمالان لا يعتبران في مقابلة الظاهر القوي، وكذا احتمال كونه طلقها في صحته وانقضت عدتها؛ لأنه لما ثبت النكاح وجب الحكم بقيامه ما لم يتحقق زواله. فإن قيل: إن النكاح يثبت بمقتضى ثبوت النسب وهو لا عموم له فيتقدر بقدر الحاجة قلنا النكاح غير متنوع إلى نكاح موجب للإرث والنسب وإلى غير موجب لهما، فإذا تعين النكاح الصحيح لزم بلوازمه وفي غاية البيان أنه ليس من الاقتضاء في شيء؛ لأن المقتضى وهو النسب يصح بلا ثبوت المقتضي وهو النكاح بأن يكون الوطء عن شبهة أو تكون أم ولده فلم يفتقر ثبوت النسب إلى النكاح لا محالة. (قوله: وإن جهلت حريتها فقال وارثه أنت أم ولد أبي فلا ميراث لها)؛ لأن ظهور الحرية باعتبار الدار حجة في دفع الرق لا في استحقاق الإرث وتقييده بقول الوارث اتفاقي؛ لأن الجهل بحريتها كاف لعدم ميراثها قال الوارث أنت أم ولد أبي أو لم يقل كما أطلقه في غاية البيان معللا أن للوارث أن يقول ذلك ولعل فائدته أن الوارث لو كان صغيرا فإنه لا ميراث لها أيضا وإن لم يقل شيئا ولم يذكر المصنف رحمه الله أن لها مهرا عند إقرار الوارث أنها أم ولد أبيه وذكر التمرتاشي أن لها مهر مثلها؛ لأنهم أقروا بالدخول ولم يثبت كونها أم ولد بقولهم ورده في غاية البيان بأن الدخول إنما يوجب مهر المثل في غير صورة النكاح إذا كان الوطء عن شبهة ولم يثبت النكاح هنا والأصل عدم الشبهة فبأي دليل يحمل على ذلك فلا يجب مهر المثل وأيضا إنما لم نوجب الإرث؛ لأن الاستصحاب لا يصلح للإثبات فلو وجب مهر المثل لكان صالحا للإثبات فلا يجوز ا هـ. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
|