الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي
قال الشافعي: (فإن كان بمكة.. قال: سمن ضأن نجدية أو تهامية؛ لأنهما يختلفان في الطعم واللون والثمن. ويذكر اللون، فيقول: أبيض أو أصفر. ويقول: جيد أو رديء). قال الشيخ أبو حامد: ويذكر ما ترعى الماشية. وأمَّا الحديث أو العتيق: ففيه وجهان: أحدهما قال الشيخ أبو حامد: لا يصح السلم على العتيق منها؛ لأنه معيب، ولا يُدرى قدر عيبه وتناهي نقصانه. قال الشافعي: (لأنه يصلح للجراح، فإذا أسلم في السمن.. لم يلزمه أن يقبل إلا الحديث). والثاني: قال القاضي أبو الطيب: العتيق الذي تغيَّر لا يدخل فيه؛ لأنه معيب، وليس كل عتيق متغيِّرًا، فلا بد أن يقول: حديث أو عتيق إن كان يختلف. ويسلم فيه وزنًا، ويجوز كيلا إذا لم يكن جامدًا يتجافى في المكيال. ويجوز السلم في الزبد، ويصفه بصفات السمن، ويزيد فيه وصفا، فيقول: زبد يومه، أو أمسه؛ لأنه يختلف بذلك. فإن جاءه بزبد فيه رقة.. نظرت: فإن كان لشدة حر الزمان.. لزم المسلم قبوله. وإن كان لرقة في الأصل.. لم يلزمه قبوله؛ لأنه عيب فيه. ولا يجوز السلم فيه إلا وزنًا. وإن أسلم في اللبن.. وصفه بالنوع، فيقول: لبن بقر أو ضأن أو معز، جيدٌ أو رديءٌ، ويذكر ما ترعى الماشية. وقال ابن الصبّاغ: ويقول: معلوفة أو راعية، ولا يحتاج إلى ذكر الحليب؛ لأنه لا يصح السلم فيه إلا في الحليب، فأمّا الحامض منه.. فلا يصح السلم فيه؛ لأنه معيب. قال الشافعي: (فإن أسلم في حليب يوم أو يومين.. جاز). قال ابنُ الصبَّاغ: ذكر ذلك تأكيدًا لا شرطًا. وقال الشيخ أبو حامد: إن كان ببلدٍ يبقى اللبن حليبًا يومًا أو يومين.. جاز أن يسلم في حليب يومين. قال الشافعي: (وأقل حدِّ الحليب: أن تقل حلاوته، وإذا قلت حلاوته.. خرج عن أن يكون حليبًا). قال الشيخ أبو حامد: ويجوز السلم فيه كيلا ووزنًا، فإن أسلم فيه كيلا.. لم يكله حتى تسكن رغوته؛ لأنها تؤثر في الكيل. وإن أسلم فيه وزنًا، فإن قال أهل الخبرة: إن كان لتلك الرغوة في الوزن أثر.. لم يوزن حتى تسكن. وإن قالوا: لا تأثير لها.. وزن كما هو.
فيقول: صوف غنم بلد كذا؛ لأنه يختلف باختلاف البُلدان. ويذكر اللون، فيقول: أبيض أو أسود أو أحمر. ويقول: طويل أو قصير؛ لأن الطويل خير من القصير. ويقول: جيد أو رديء. ويقول: صوف إناث أو ذكور؛ لأن صوف الإناث أنعم. ويذكر الزمان: خريفي أو ربيعي؛ لأن صوف الخريف أنظف؛ لأنه عقيب الصيف، وصوف الربيع رديء. قال الشافعي: (ويقول: نقي خالص من الشوك والبعر، مغسول). قال أصحابنا: وهذا احتياط، فإن لم يذكر ذلك.. جاز؛ لأنه يجب دفعه كذلك. قال الشافعي: (وكذلك الوبر والشعر، يجوز السلم فيهما، ويصفهما بصفات الصوف، ولا يجوز السلم في ذلك إلا وزنًا).
فيقول: قطن تهامة أو أبين. ويذكر اللون، فيقول: أبيض أو أسمر. ويقول: ليِّنٌ أو خشنٌ. جيّد أو رديء. ويقول: طويل الشعر أو قصيره؛ لأن ذلك يختلف. فإن شرط منزوع الحب.. جاز، ولزمه ذلك. وإن أطلق.. كان عليه أن يأخذه بحبه؛ لأن الحب فيه بمنزلة النوى في التمر. فإن اختلف قديمه وحديثه.. ذكره. فإن أعطاه رطبا.. لم يلزمه قبوله؛ لأن الإطلاق يقتضي قطنًا جافًّا. فإن أسلم في القطن في جوزه.. لم يصح؛ لأنه مستور بما لا مصلحة له فيه، ولأنه لا يجوز بيعه في جوزه، فلم يصح السلم عليه فيه، بخلاف الجوز واللوز؛ لأنه مستور بما له فيه مصلحة. وإن أسلم في غزله.. لزمه وصفه بصفات القطن، إلا الطول والقصر، فلا يذكره. ويذكر فيه غليظ، أو دقيق.
وإن أسلم في القز، فإن كان فيه الدود.. لم يصح، حيًّا كان أو ميتًا؛ لأنه إن كان حيًّا.. فلا مصلحة في تركه فيه. وإن كان ميتا.. فلا يجوز بيعه. والقز وزنه مجهول. وإن كان قد خرج منه الدود.. جاز السلم فيه؛ لأنه يمكن وزنه.
ضرب: يراد للبناء، فإذا أسلم فيه.. ذكر نوعه، فيقول: خشبه من ساج أو صنوبر أو غلب، ويذكر لونه أبيض أو أحمر أو أصفر أو أسود، رطب أو يابس، ويذكر طوله وعرضه، أو دوره وسمكه. ويقول: جيد أو رديء. وإن ذكر مع ذلك الوزن.. جاز، وجهًا واحدًا، بخلاف الثوب؛ لأن النساج لا يمكنه أن ينسج ثوبا بصفات معلومة من غزل مقدر إلا نادرا، بخلاف الخشب، فإنه إذا أراد وزنه.. أمكن أخذ شيء منه. وإن لم يذكر الوزن.. جاز. ولا يلزم المسلم أن يأخذ ما فيه عقد؛ لأن ذلك عيب. ويجب دفعه ذلك إليه من طرفه إلى طرفه بالعرض والسمك والدور الذي شرطه. وإن كان أحد طرفيه أدق.. لم يجبر على قبوله. وإن كان أحد طرفيه أغلظ.. قال ابن الصباغ: فقد زاده خيرًا. الضرب الثاني ـ من الخشب ـ: ما يراد للقسي، فيذكر لونه ونوعه، ويقول: جيد أو رديء، رطب أو يابس، جبلي أو سهلي؛ لأنه يختلف؛ لأن الجبلي أقوى. فإن كان للقِسيِّ العربية.. ذكر الطول والعرض. وإن كان للقسي العجمية.. لم يحتج إلى ذكر الطول والعرض؛ لأنه يكون قطعًا صغارًا، أو يكون موزونًا. والضرب الثالث: ما يراد للوقود، فيذكر نوعه، ويقول: خوطٌ قرضٌ أو عسق صغارًا أو كبارًا أو وسطًا، رطبٌ أو يابسٌ، جيدٌ أو رديء. ولا يذكر اللون؛ لأن ليس بمقصود. ويذكر وزنه.
ضرب: يراد للأرحية، فيصفها بالنوع، فيقول: من حجار بلد كذا وكذا، ويذكر اللون والدور والثخن، جيد أو رديء. فإن شرط وزنه.. جاز. فإذا أراد وزنه، فإن أمكن وزنه بالقبان.. وزنه به. وإن لم يمكن وزنه بذلك.. وزنه بالسفينة، فيترك فيها، وينظر إلى أي حدٍّ تغوص في الماء، ثم توضع مكانه أحجار صغار أو رمل، حتى تغوص السفينة إلى ذلك الحد الذي غاصت فيه مع الحجر، ثم تخرج، ويزنها، فيعرف أن ذلك وزن ذلك الحجر. والضرب الثاني ـ من الأحجار ـ: ما يراد للبناء، فيذكر نوعها بإضافتها إلى البلد، وطولها وعرضها ولونها، ويقول: جيد أو رديء، ويقول: صغار أو كبار. والضرب الثالث: أحجار تراد للأبنية، فيذكر نوعها بذكر بلدها، ويذكر لونها، جيدًا أو رديئًا، ويذكر طولها وعرضها وسمكها وتدويرها. وإن ذكر الوزن.. جاز. وإن لم يذكر.. لم يفسد. ويجوز السلم في الآجر، ويذكر طوله وعرضه والدور والثخن. ويجوز السلم في اللبن، ويصفه بما ذكرناه. قال ابن الصباغ: وإن شرط في اللبن أن يطبخه.. لم يجز؛ لأنه قد يفسد.
وأما العود: فلا بد من ذكر نوعه بإضافته إلى البلد، ويرجع في صفات كل ما لا يعرفه المتعاقدان إلى أهل الخبرة به.
إذا ثبت هذا: فـ (الأجل المعلوم): أن يسلم إلى شهر من شهور العرب، أو شهور الروم، أو الفرس، ويكون ذلك معلومًا عندهما. وكذلك: إذا أسلم إلى عيد الفطر أو الأضحى، أو أسلم إلى النيروز أو المهرجان، وهما عيدان من أعياد اليهود معروفان عند المسلمين واليهود.. فإن ذلك يصح إذا كان المتعاقدان يعرفان ذلك. وإن كانا لا يعلمان ذلك.. لم يصح؛ لأن الاعتبار بهما. وإن أسلم إلى النفر الأول أوالثاني.. جاز، وذلك لأهل مكة؛ لأنه معروف عندهم، وهل يجوز لغيرهم؟ فيه وجهان، حكاهما الشاشي عن " الحاوي "، قال: والأصح: إن كانا يعرفان وقت ذلك.. صح. وإن أسلم إلى (يوم القر): وهو يوم الحادي عشر من ذي الحجة.. قال الشاشي: فهل يصح لأهل مكة؟ فيه وجهان: أحدهما: يصح، كما لو أسلم إلى يوم النفر. والثاني: لا يصح؛ لأنه لا يعرفه إلا خواصهم. وإن أسلم إلى جمادى أو ربيع، ولم يبين أنه الأول أوالثاني.. ففيه وجهان: أحدهما: من أصحابنا من قال: لا يصح؛ لأنه مجهول. والثاني ـ وهو المذهب ـ: أنه يصح؛ لأن الشافعي قال: (وإذا أسلم إلى النفر وأطلق.. صح، وحمل على النفر الأول) وإذا أسلم إلى عقب شهر كذا.. قال في (الإفصاح): لم يصح؛ لأن عقب الشهر يقع على بقية الشهر، وعلى أول الشهر الذي بعده، وذلك مجهول، فلم يصح.
وقال مالك، وأبو ثور: (يصح السلم إلى العطاء، والحصاد، والدياس). دليلنا: ما روي عن ابن عبَّاس: أنه قال: (لا تبايعوا إلى الحصاد والدياس، ولا تبايعوا إلاّ إلى أجل معلوم). ولأن ذلك يتقدم ويتأخر، فلم يصح، كما لو قال: إلى مجيء المطر. وإن أسلم إلى عيد من أعياد اليهود والنصارى، كالشعانين، وعيد الفطير.. قال الشافعي: (لم يصح؛ لأن هذا لا يعرفه المسلمون، ولأنهم يقدمونه ويؤخرونه على حساب لهم). وقال أبو إسحاق: إن علم المسلمون منه مثل ما يعلمونه.. جاز أن يجعلوه أجلاً في السلم.
أحدهما قال أبو علي بن أبي هريرة: يصح، ويتعلق بأوله ـ وبه قال أبو حنيفة ـ كما لو قال لها: أنت طالق في يوم كذا.. فإنه يتعلق بأوله. والثاني ـ وبه قال عامّة أصحابنا ـ: أنه لا يصح؛ لأنه يقع على جميع أجزاء اليوم والشهر، وذلك مجهول، فلم يصح. والفرق بين الطلاق والسلم: أن الطلاق يصح أن يعلق بالمجهول والغرر، بخلاف العقود. قال ابن الصباغ: وهذا الفرق ليس بصحيح عندي؛ لأنه لو كان مجهولاً.. لوجب أن يصح ولا يتعلق بأوله، بل يتعلق بوقت منه يقف على بيانه، فإذا فات جميعه.. وقع، فلمّا تعلق بأوله.. اقتضى ذلك: أن الإطلاق يقتضيه. وإن قال: أسلمت إليك في كذا، بأن تسلمه إلي من هذا اليوم إلى رأس الشهر.. لم يصح؛ لأنه لا يدري أي يوم يطالبه به، ولا كم يطالبه به، في كل يوم.
وذكر في "المهذب": إن كان العقد في الليلة التي رؤي فيها الهلال.. اعتبر الجميع بالأهلة. وإن كان العقد في أثناء الشهر.. اعتبر الشهر الأول بالعدد، وما بعده بالأهلة.
أحدهما: لا يصح السلم؛ لأن العقد يقع على مجهول؛ لأنه لم يذكر الحلول ولا التأجيل. والثاني: يصح ويكون حالاًّ؛ لأن ما جاز حالاًّ ومؤجلاً.. حمل إطلاقه على الحال، كالثمن في البيع. وفيه احترازٌ من الكتابة؛ لأنها لا تصح حالة، وإذا أطلق العقد.. لم يصح. وإن أسلم في شيء، وشرط: أنه حالٌّ، ثم اتفقا على تأجيله، أو أسلم على مؤجل، ثم اتفقا على حلوله، أو زادا في الأجل أو نقصا منه، فإن كان ذلك بعد التفرق.. لم يلحق بالعقد. وقال أبو حنيفة: (يلحق بالعقد). وإن كان قبل التفرق.. لحق بالعقد. وقال أبو عليّ الطبري: إذا قلنا: إن الملك ينتقل إلى المشتري بنفس العقد.. لم يلحق بالعقد. وقد مضى ذكر هذا في (المرابحة).
أحدهما: لا يصح ـ وهو ضعيف ـ لأن ما يقابل أبعدهما أجلا من رأس المال أقل مما يقابل أقربهما أجلا، وما يقابل أحد الجنسين أقل مما يقابل الآخر، وذلك مجهول، فلم يصح. وهذا القول بناء على أن رأس المال يجب أن يكون معلومًا. والثاني: يصح السلم ـ وبه قال مالك، وهو الأصح ـ لأن كل بيع جاز إلى أجل واحد.. جاز إلى أجلين، كبيع الأعيان ـ وفيه احتراز من الكتابة ـ أو كل بيع جاز على جنسين في عقدين.. جاز عليهما في عقد واحد، كبيع الأعيان.
قال في "الأم": (لا بدّ من ذكره). وقال في موضع: (يستحب). واختلف أصحابنا فيه: فمنهم من قال: هي على حالين: فحيث قال: (لا بدّ من ذكره) أراد: إذا كان السلم في موضع لا يصلح للتسليم. قال الشيخ أبو حامد: وذلك كالصحراء أو البادية. وحيث قال: (يستحب) أراد: إذا كان السلم في بلد أو مصر. والفرق بينهما: أن الصحراء والبادية لا تصلح للتسليم، فيكون موضع التسليم مجهولاً، فلم يصح، والبلد والمصر يصلح للتسليم. فإذا أطلق العقد.. حمل على موضع العقد، كما إذا أطلق العقد في موضع فيه نقد غالب. ومنهم من قال: إن كان السلم في الصحراء.. وجب بيان موضع التسليم، قولاً واحدًا. وإن كان في مصر.. ففيه قولان: أحدهما: لا يفتقر إلى ذكره، كبيع العين بنقد مطلق، في موضع فيه نقد غالب. والثاني: يفتقر إلى ذكره، كما إذا كان في الصحراء. هكذا ذكر الشيخ أبو حامد، وذكر الشيخ أبو إسحاق في "المهذب": إذا كان السلم في موضع يصلح للتسليم.. ففيه ثلاثة أوجه: أحدها: يفتقر إلى ذكر موضع القبض؛ لأن الغرض يختلف باختلافه. والثاني: لا يفتقر إلى ذكره، كبيع الأعيان. والثالث: إن كان لحمل المسلم فيه مؤنة.. وجب بيان موضع التسليم، وإن لم يكن لحمله مؤنة.. لم يجب ـ وهذا قول ابن القاص، واختيار القاضي أبي الطيب، وبه قال أبو حنيفة ـ لأن الثمن يختلف باختلاف ما لحمله مؤنة، ولا يختلف بما ليس لحمله مؤنة.
وقال مالك: (إن تأخر قبضه بعد افتراقهما يومًا أو يومين أو ثلاثًا.. لم يبطل، وإن تأخر أكثر من ذلك.. بطل). دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أسلف.. فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم». و(الاستسلاف): عبارة عن التعجيل، فظاهر الخبر: أن ذلك شرط في العقد. ولأن السلم مشتق من (الإسلام): وهو التسليم، فوجب أن يختص بمعنًى يضاهي الاسم. ولأن من شرط أحد العوضين في السلم: أن يكون في الذمة، فلو جاز تأخير الآخر عن المجلس.. لصار في معنى بيع الدين بالدين؛ لأن رأس المال قد يكون موصوفًا في الذمة، فإذا جوزنا تأخيره عن المجلس.. كان في معنى بيع الكالئ بالكالئ، فلم يجز. إذا ثبت هذا: فإن الشيخ أبا حامد قال: البيوع على ثلاثة أضرب: بيع خالص، وسلم خالص، وبيع معناه معنى السلم ولفظه لفظ البيع. فأمَّا (البيع الخالص): فأن يبيع ثوبًا، أو سلعة معينة بثمن في الذمة، أو بثمن معين، فلا يشترط قبض شيء منهما في الملجس؛ لما ذكرناه. وأمّا (السلم الخالص): فهو أن يقول: أسلمت إليك كذا، في ثوب صفته كذا، فمن شرطه قبض رأس مال السلم في المجلس؛ لما ذكرناه. وأمّا (السلم بلفظ البيع): فهو أن يقول: اشتريت منك ثوبًا صفته كذا وكذا، بشيء يذكره، فهذا لفظه لفظ البيع، ومعناه معنى السلم، فهل يراعى معنى اللفظ، ولا يشترط فيه قبض رأس المال في المجلس؟ أو يراعى معناه: وهو السلم، ولا بد من قبض رأس المال في المجلس؟ فيه وجهان، مضى ذكرهما في أوّل الباب.
فإن كان رأس المال نقدًا مطلقًا في الذمة، فإن كانا في بلدٍ فيه نقد غالب.. انصرف الإطلاق إليه، كما نقول في بيع الأعيان. وإن كانا في بلد فيه نقودٌ ليس بها نقدٌ غالبٌ.. لم يصح السلم حتى يبيِّنا واحدًا منها، كما قلنا في بيع الأعيان. وإن كان رأس المال معيَّنًا.. فهل يفتقر إلى معرفة قدره وصفاته؟ فيه قولان: أحدهما: لا يجوز أن يكون جزافًا، ولا بد من ذكر صفاته؛ لأنه أحد العوضين في السلم، فلم يجز أن يكون جزافًا، ولا غير معلوم الصفة، كالعوض الآخر، وهو المسلم فيه، ولأن عقد السلم لا يقع منبرمًا، وإنما يقع مراعى، وربما انفسخ العقد، فيحتاج أن يرجع المسلم إلى رأس المال، فإذا كان جزافًا، أو غير معلوم الصفة.. لم يمكنه الرجوع إليه. فعلى هذا: لا يجوز أن يكون رأس المال ما لا يصح السلم فيه، كاللؤلؤ والزبرجد، أو ما عملت فيه النار، كالخبز والشواء. والقول الثاني: يصح السلم وإن كان رأس المال جزافًا، ولا يفتقر إلى ذكر صفاته؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أسلف.. فليسلف في كيل معلوم». ولم يفرق بين أن يكون رأس المال معلومًا موصوفًا، أو جزافًا غير موصوف. ولأنها عين يتناولها العقد بالإشارة إليها، فاستغني عن معرفة قدرها وصفتها، كالبيع. فعلى هذا: يجوز أن يكون رأس المال ما لا يصح السلم فيه. |