الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.فروق لغوية دقيقة: الفرق بين العبث واللعب والهزل والمزاح والاستهزاء والسخرية وما يخالف ذلك:.الفرق بين العبث واللعب واللهو: أن العبث ما خلا من الإرادات إلا إرادة حدوثه فقط واللهو واللعب يتناولها غير إرادة حدوثهما إرادة وقعا بها لهوا ولعبا ألا ترى أنه كان يجوز أن يقعا مع إرادة أخرى فيخرجا عن كونهما لهوا ولعبا وقيل اللعب عمل للذة لا يراعى فيه داعي الحكمة كعمل الصبي لأنه لا يعرف الحكيم ولا الحكمة وإنما يعلم للذة..الفرق بين اللهو واللعب: أنه لا لهو إلا لعب وقد يكون لعب ليس بلهو لأن اللعب يكون للتأديب كاللعب بالشطرنج وغيره ولا يقال لذلك لهو وإنما لعب لا يعقب نفعا وسمي لهوا لأنه يشفل عما يعني من قولهم ألهاني الشيء أي شغلني ومنه قوله تعالى: {ألهاكم التكاثر}..الفرق بين المزاح والاستهزاء: أن المزاح لا يقتضي تحقير من يمازحه ولا اعتقاد ذلك ألا ترى أن التابع يمازح المتبوع من الرؤساء والملوك ولا يتضي ذلك تحقيرهم ولا اعتقادهم تحقيرهم ولاكن يقتضي الاستئناس بهم على ما ذكرناه في أول الكتاب والاستهزاء يقتضي تحقير المستهزإ به واعتقاد تحقيره..الفرق بين الاستهزاء والسخرية: أن الإنسان يستهزا به من غير أن يسبق منه فعل يستهزا به من اجله والسخر يدل على فعل يسبق من المسخور منه والعبارة من اللفظين تدل عن صحة ما قلناه وذلك أنك تقول استهزات به فتعدى الفعل منك بالباء والباء للإلصاق كأنك ألصقت به استهزاء من غير أن يدل على شيء وقع الاستهزاء من أجله وتقول سخرت منه فيقتضي ذلك من وقع السخر من أجله كما تقول تعجبت منه فيدل ذلك على فعل وقع التعجب من اجله ويجوز كما تقول تعجبت منه فيدل ذلك على فعل وقع التعجب من اجله ويجوز أن يقال أصل سخرت منه التسخير وهو تذليل الشيء وجعلك أياه منقادا فكانك إذا سخرت منه جعلته كالمنقاد لك ودخلت من للتبعيض لأنك لم تسخره كما تسخر الدابة وغيرها وإنما خدعته عن بعض عقله وبني الفعل منه على فعلت لأنه بمعنى عبثت وهو أيضا كالمطاوعة والمصدر السخرية كأنها منسوبة إلى لامسخرة مثل العبودية واللصوصية وأما قوله تعالى: {ليتخذ بعضهم بعضا سخريا} فإنما هو بعث الشيء المسخر ولو وضع موضع المصدر جاز والهزء يجري مجرى العبث ولهذا جاز هزئت مثل عبثت فلا يقتضي معنى التسخير فالفرق بينهما بين..الفرق بين المزاح والهزل: أن الهزل يقتضي تواضع الهازل لمن يهزل بين يديه والمزاح لا يقتضي ذلك ألا ترى أن الملك يمازح خدمه وإن لم يتواضع لهم تواضع الهازل لمن يهزل بين يديه والنبي يمازح ولا يجوز أن يقال يهزل ويقال لمن لمن يسخر يهزل ولا يقال يمزح..الفرق بين المزاح والمجون: أن المجون هو صلابة الوجه وقلة الحياء من قولك مجن الشيء يمجن مجونا إذا صلب وغلظ ومنه سميت الخشبة التي يدق عليها القصار الثوب ميجنة وأصل الميجنة البقعة الغليظة تكون في الوادي وأصلها موجنة فقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها ومنه الوجهين وهو الغليظ من الأرض ومنه ناقة وجناء صلبة شديدة وقيل هيالغليظة والوجنات والوجنة ما صلب من الوجه والمجون كلمة مولدة لم تعرفها العرب وإنما تعرف أصلها وهو الذي ذكرناه وقيل المزاح الإيهام للشيء في الظاهر وهو على خلافه في الباطن من غير اغترار للإيقاع في مكروه والاستهزاء الإيهام لما يجب في الظاهر والأمر على خلافه في الباطن على جهة الاغترار..الفرق بين الجد والانكماش: أن الانكماس سرعة السير يقال انكمش في سيره إذا أسرع فيه ثم استعمل في كل شيء تصح فيه السرعة فتقول انكمش على النسخ والكتابة وما يجري مع ذلك والجد صدقة القيام في كل شيء تقول جد في السير وجد في إغاثة زيد وفي نصرته ولا يقال انكمس في إغاثة زيد ونصرته إذ ليس مما تصح فيه السرعة. اهـ..من لطائف وفوائد المفسرين: من لطائف القشيري في الآية:قال عليه الرحمة:{وَمَا هَذه الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلَّا لَهْو وَلَعب وَإنَّ الدَّارَ الْآخرَةَ لَهيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)}.الدنيا الأحلام- وعند الخروج منها انتباه من النوم. والآخرة هنالك العيش بكماله، والتخلص- من الوحشة- بتمامه ودوامه.{فَإذَا رَكبُوا في الْفُلْك دَعَوُا اللَّهَ مُخْلصينَ لَهُ الدّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلَى الْبَرّ إذَا هُمْ يُشْركُونَ (65)}.الإخلاصُ تفريغُ القلب عن الكلّ، والثقةُ بأن الإخلاص ليس إلا به- سبحانه، والتحقق بأنه لا يستكبر حالًا في المحمودات ولا في المذمومات، فعند ذلك يعبدونه مخلصين له الدّين. وإذا توالت عليهم الضرورات، وانقطع عنه الرجاء أذعنوا لله متضرعين فإذا كشف الضُّرَّ عنهم عادوا إلى الغفلة، ونَسُوا ما كانوا فيه من الحال كما قيل:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ منْ حَوْلهمْ أَفَبالْبَاطل يُؤْمنُونَ وَبنعْمَة اللَّه يَكْفُرُونَ (67)}.مَنَّ عليهم بدَفْعٍ المحن عنهم وكَوْن الحَرَم آمنًا. وذَكَّرَهم عظيمَ إحسانه عليهم، ثم إعراضهم عن شكر ذلك.{وَمَنْ أَظْلَمُ ممَّن افْتَرَى عَلَى اللَّه كَذبًا أَوْ كَذَّبَ بالْحَقّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ في جَهَنَّمَ مَثْوًى للْكَافرينَ (68)} أي لا أحدَ أشدُّ ظلمًا ممن افترى على الله الكذب، وعَدَلَ عن الصدق، وآثَرَ البهتانَ ولم يتصرف بالتحقق، أولئك هم السُّقّاطُ في الدنيا والآخرة.{وَالَّذينَ جَاهَدُوا فينَا لَنَهْديَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسنينَ (69)}.الذين زَيَّنُوا ظواهرَهم بالمجاهدات حَسُنَتْ سرائرُهم بالمشاهدات. الذين شغلوا ظواهرهم بالوظائف أوصلنا إلى سرائرهم اللطائف. الذين قاسوا فينا التعبَ من حيث الصلوات جازيناهم بالطرب من حيث المواصلات.ويقال الجهاد فيه: أولًا بترك المحرَّمات، ثم بترك الشُّبُهات، ثم بترك الفضلات، ثم بقطع العلاقات، والتنقّي من الشواغل في جميع الأوقات.ويقال بحفظ الحواسُ لله، وبعَدّ الأنفاس مع الله. اهـ. .التفسير الإشاري: .قال نظام الدين النيسابوري: التأويل: {وما يعقلها إلا العالمون} بالله لأن عقولهم مؤيدة بأنوار العلم اللدني {إن في ذلك لآية للمؤمنين} الذين ينظرون بنور الله فان النور لا يرى إلا بالنور {اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة} فيه أن التلاوة والعمل به يجب أن يتقارنا حتى يتخلق بخلق القرآن ويحصل الانتهاء عن الفحشاء وهي طلب الدنيا.والمنكر وهو الالتفات إلى غير الله فإن لم تكن الصلاة متصفة بذلك فهي كالصلاة. {ولذكر الله} في إزالة مرض القلب {أكبر} من تلاوة القرآن وإقامة الصلاة، لأن القلب لا يطمئن إلا بذكر الله، وعند الاطمئنان توجد سلامة القلب. فلاذكر له خاصية الإكسير في جعل الإبريز ذهبًا خالصًا. {والله يعلم ما تصنعون} من استعمال مفتاح الشريعة وآداب الطريقة لفتح أبواب طلسم الوجود المجازي والوصول إلى الكنز الخفي {ولا تجادلوا} يا ارباب القلوب أهل العلم الظاهر إلا بطريق الإنصاف والرفق {إلا الذين ظلموا} بمزيد الإنكار والعناد فحينئذ لا تجادلوهم إذ لا يرجى منهم قبول الحق والإذعان له، فخلوا بينهم وبين باطلهم {وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا} من العلوم الباطنة {وأنزل إليكم} من العلوم الظاهرة {وكذلك} اي كما أنزلنا الدلائل والبراهين العقلية على أهل الظاهر {أنزلنا عليكم} الكشوف والمعارف {فالذين آتيناهم الكتاب} وهم أرباب القلوب يصدقون به، {ومن هؤلاء} العلماء الظاهريين من يؤمن به {وما يجحد بآياتنا إلا الذين} يشترون الحق بالباطل {وما كنت تتلو} وفيه أن القلب إذا كان خاليًا عن النقوش الفاسدة كان أقبل للعلوم اللدنية كقلب النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال: {بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم} يعني أن قلوب الخواص خزائن الغيب. سأل موسى عليه السلام: إلهي أين أطلبك؟ فقال: أنا عند المنكسرة قلوبهم لأجلي. ثم اشار بقوله: {وما يجحد} إلى أن الحرمان من الرؤية من خصوصية الرين ولهذا قالوا {لولا أنزل عليه آية} وذلك لعمى عيون قلوبهم. ثم أشار إلى ظلومية الإنسان وجهوليته بأنه يستعجل بالعذاب مع عدم صبره عليه {وإن جهنم} الحرص وغيره من الأخلاق الذميمة {لمحيطة} بهم من فوقهم وهو الكبر والغضب {ومن تحت أرجلهم} وهو الحرص والشره والشهوة {وهم لا يشعرون} لأنهم نائمون فإذا ماتوا انتبهوا {يا عبادي}.أن أرض حضرة جلالي {واسعة} فهاجروا بالخروج من حبس وجودكم إلى سرادقات هويتي {كل نفس ذائقة الموت} بالإضطرار فارجعوا إلينا بالاختيار {لنبوئنكم} من جنة الوصال غرفًا من المعارف {تجري من تحتها} أنهار الحكمة {الذين صبروا} في الباية على حبس النفس بالفطام عن المرام، وفي الوسط على تجرع القلب كاسات التقدير من غير تعبير، وفي النهاية صبروا على بذل الروح لنيل الفتوح {وكأين من دابة} شخص كالدابة {لا تحمل} النظر عن {رزقها} لضعف نفسها عن التوكل {الله يرزقها وإياكم} أيها الطالبون للمشاهدات والمكاشفات {ليقولن الله} لأن كلهم قالوا في الأزل: بلى عند خطاب {الست بربكم} [الأعراف: 172] والفرق إثبات الشريك ونفيه وذلك لعدم إصابة النور المرشش وإصابة دليله قوله: {الله يبسط الرزق} بإصابته النور {ويقدر} بأخطائه {إن الله عليم} باستحقاق كل فريق من نزل من سماء الروحاينة ماء الإيمان فأحيا به أرض القلوب {لهي الحيوان} لأن جميع أجزائها حي فقد ورد في الحديث: «إن الجنة وما فيها من الأشجار والأثمار والغرف والحيطان والأنار حتى ترابها وحصباؤها كلها حي» قلت: ولعل ذلك لبقاء كل منها على كماله الآخر. ثم بين بقوله: {فإذا ركبوا} أن إخلاص المؤمن بثابت وإخلاص الكافر مضطرب ثم بين أن حرم القلب آمن وما حوله من صفات النفس ومشاهدة ربها مظنة تصرف الشيطان، فمن افترى على الله بأن لا يكون له مع الله وقت وحال ويظهر ذلك من نفسه، أو كذب طريقة أهل الحق جاهدوا فينا يخرج منه مجاهدة الرهبانيين والفلاسفة والبراهمة ونحوهم لأنهم مرتاضون رياء وكسلًا. اهـ..قال الألوسي: ومن باب الإشارة في الآيات: {أَحَسبَ الناس أَن يُتْرَكُوا} [العنكبوت: 2] الآية قال ابن عطاء: ظن الخلق أنهم يتركون مع دعاوى المحبة ولا يطالبون بحقائقها وهي صب البلاء على المحب وتلذذه بالبلاء الظاهر والباطن، وهذا كما قال العارف ابن الفارض قدس سره:وذكروا أن المحبة والمحنة توأمان وبالامتحان يكرم الرجل أو يهان {وَمنَ الناس مَن يقُولُ ءامَنَّا بالله فَإذَا أُوذىَ في الله جَعَلَ فتْنَةَ الناس كَعَذَاب الله} [العنكبوت: 0 1] إشارة إلى حال الكاذبين في دعوى المحبة وهم الذين يصرفون عنها بأذى الناس لهم {إنَّ الذين تَعْبُدُونَ من دُون الله لاَ يَمْلكُونَ لَكُمْ رزْقًا فابتغوا عندَ الله الرزق واعبدوه واشكروا لَهُ إلَيْه تُرْجَعُونَ} [العنكبوت: 7 1] قال ابن عطاء: أي اطلبوا الرزق بالطاعة والإقبال على العبادة، وقال سهل: اطلبوه في التوكل لا في المكسب فإن طلب الرزق فيه سبيل العوام {وَقَالَ إنّى مُهَاجر إلى رَبّى} [العنكبوت: 6 2] أي مهاجر من نفسي ومن الكون إليه عز وجل، وقال ابن عطاء: أي راجع إلى ربي من جميع مالي وعلي، والرجوع إليه عز وجل بالانفصال عما دونه سبحانه، ولا يصح لأحد الرجوع إليه تعالى وهو متعلق بشيء من الكون بل لابد أن ينفصل من الأكوان أجمع {وَتَأْتُونَ في نَاديكُمُ المنكر} [العنكبوت: 9 2] سئل الجنيد قدس سره عن هذه الآية فقال: كل شيء يجتمع الناس عليه إلا الذكر فهو منكر {مَثَلُ الذين اتخذوا من دُون الله أَوْليَاء كَمَثَل العنكبوت اتخذت بَيْتًا وَإنَّ أَوْهَنَ البيوت لَبَيْتُ العنكبوت} [العنكبوت: 1 4] أشار سبحانه وتعالى إلى من اعتمد على غير الله عز وجل في أسباب الدنيا والآخرة فهو منقطع عن مراده غير واصل إليه، قال ابن عطاء: من اعتمد شيئًا سوى الله تعالى كان هلاكه في نفس ما اعتمد عليه، ومن اتخذ سواه عز وجل ظهيرًا قطع عن نفسه سبيل العصمة ورد إلى حوله وقوته.{وَتلْكَ الأمثال نَضْربُهَا للنَّاس وَمَا يَعْقلُهَا إلاَّ العالمون} [العنكبوت: 3 4] فيه إشارة إلى أن دقائق المعارف لا يعرفها إلا أصحاب الأحوال العالمون به تعالى وبصفاته وسائر شؤونه سبحانه لأنهم علماء المنهج، وذكر أن العالم على الحقيقة من يحجزه علمه عن كل ما يبيحه العلم الظاهر، وهذا هو المؤيد عقله بأنوار العلم اللدني {اتل مَا أُوْحىَ إلَيْكَ منَ الكتاب} ذكر أن حقيقة الصلاة حضور القلب بنعت الذكر والمراقبة بنعت الفكر فالذكر في الصلاة يطرد الغفلة التي هي الفحشاء والفكر يطرد الخواطر المذمومة وهي المنكر، هذا في الصلاة وبعدها تنهى هي إذا كانت صلاة حقيقية وهي التي انكشف فيها لصاحبها جمال الجبروت وجلال الملكوت وقرت عيناه بمشاهدة أنوار الحق جل وعلا عن رؤية الأعمال والأعواض، وقال جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه: الصلاة إذا كانت مقبولة تنهى عن مطالعات الأعمال والأعواض {وَلَذكْرُ الله أَكْبَرُ} [العنكبوت: 5 4] قال ابن عطاء: أي ذكر الله تعالى لكم أكبر من ذكركم له سبحانه لأن ذكره تعالى بلا علة وذكركم مشوب بالعلل والأماني والسؤال، وأيضًا ذكره تعالى صفته وذكركم صفتكم ولا نسبة بين صفة الخالق جل شأنه وبين صفة المخلوق وأين التراب من رب الأرباب.{بَلْ هُوَ ءايات بينات في صُدُور الذين أُوتُوا العلم} [العنكبوت: 9 4] فيه إشارة إلى أن عرائس حقائق القرآن لا تنكشف إلا لأرواح المقربين من العارفين والعلماء الربانيين لأنها أماكن أسرار الصفات وأوعية لطائف كشوف الذات، قال الصادق على آبائه وعليه السلام: لقد تجلى الله تعالى في كتابه لعباده ولكن لا يبصرون {ياعبادى الذين ءامَنُوا إنَّ أَرْضى وَاسعَة فَإيَّاىَ فاعبدون} [العنكبوت: 6 5] قال سهل: إذا عمل بالمعاصي والبدع في أرض فاخرجوا منها إلى أرض المطيعين، وكأن هذا لئلا تنعكس ظلمة معاصي العاصين على قلوب الطائعين فيكسلوا عن الطاعة، وذكروا أن سفر المريد سبب للتخلية والتحلية، وإليه الإشارة بما أخرجه الطبراني والقضاعي، والشيرازي في الألقاب، والخطيب، وابن النجار، والبيهقي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سافروا تصحوا وتغنموا كل نفس ذائقة الموت فلا يمنعنكم خوف الموت من السفر» {وَكَأَيّن مّن دَابَّةٍ لاَّ تَحْملُ رزْقَهَا الله يَرْزُقُهَا وَإيَّاكُمْ} [العنكبوت: 0 6] فلا يمنعنكم عنه فقد الزاد أو العجز عن حمله {والذين جاهدوا فينَا لَنَهْديَنَّهُمْ سُبُلَنَا} قال ابن عطاء: أي الذين جاهدوا في رضانا لنهدينهم إلى محل الرضا، والمجاهدة كما قال: الافتقار إلى الله تعالى بالانقطاع عن كل ما سواه، وقال بعضهم: أي الذين شغلوا ظواهرهم بالوظائف لنوصلن أسرارهم إلى اللطائف، وقيل: أي الذين جاهدوا نفوسهم لأجلنا وطلبا لنا لنهدينهم سبل المعرفة بنا والوصول إلينا، ومن عرف الله تعالى عرف كل شيء ومن وصل إليه هان عنده كل شيء، كان عبد الله بن المبارك يقول: من اعتاصت عليه مسألة فليسأل أهل الثغور عنها لقوله تعالى: {والذين جاهدوا فينَا لَنَهْديَنَّهُمْ سُبُلَنَا} (العنكبوت؛ 96) وجهاد النفس هو الجهاد الأكبر.نسأل الله تعالى التوفيق لما يحب ويرضى والحفظ التام من كل شر بحرمة حبيبه سيد البشر صلى الله عليه وسلم. اهـ.
|