فصل: عَقْل

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


عَقْد الذِّمَّة

انظر‏:‏ أهل الذّمّة‏.‏

عَقْد مَوْقُوف

التّعريف

1 - يطلق العقد في اللّغة على معان كثيرة، منها‏:‏ الرّبط والشّدّ والتّوثيق، فقد جاء في تاج العروس‏:‏ عقد الحبل والبيع والعهد يعقده عقداً أي شدّه‏.‏

وفي الاصطلاح هو‏:‏ الرّبط بين كلامين أو ما يقوم مقامهما على وجه ينشأ عنه أثره الشّرعيّ‏.‏

أمّا الموقوف فمن الوقف، وهو لغةً‏:‏ الحبس، وقيل للموقوف - وقف - من باب إطلاق المصدر، وإرادة اسم المفعول، والموقوف‏:‏ كلّ ما حبس بوجه من الوجوه‏.‏

أمّا الوقف في الاصطلاح، فقد عرّفه الفقهاء بتعاريف مختلفة لا تخرج في معناها عن الحبس والتّأخير‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ العقد الموقوف في البيع هو‏:‏ ما كان مشروعاً بأصله ووصفه ويفيد الملك على سبيل التّوقّف، ولا يفيد تمامه لتعلّق حقّ الغير‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - البيع النّافذ‏:‏

2 - البيع النّافذ هو‏:‏ البيع الصّحيح الّذي لا يتعلّق به حقّ الغير ويفيد الحكم في الحال، فهو ضدّ البيع الموقوف‏.‏

ب - البيع الفاسد‏:‏

3 - البيع الفاسد هو‏:‏ ما يكون مشروعاً أصلاً لا وصفاً، والمراد بالأصل الصّيغة والعاقدان والمعقود عليه، وبالوصف ما عدا ذلك‏.‏

ج - البيع الباطل‏:‏

4 - البيع الباطل هو‏:‏ ما لم يشرع لا بأصله ولا بوصفه‏.‏

والبيع الفاسد والباطل كلاهما غير صحيح، بخلاف العقد الموقوف، فإنّه صحيح متوقّف على الإجازة‏.‏

حكم العقد الموقوف

5 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّ في القديم، وهو إحدى روايتين عند الحنابلة‏:‏ إلى أنّ العقد الموقوف صحيح، ويتوقّف نفاذه على إجازة من له الإجازة‏.‏

وقد استدلّ هؤلاء الفقهاء على صحّة العقد الموقوف بالكتاب والسّنّة والقياس ورعاية المصلحة‏:‏

أمّا الكتاب فقد احتجّوا بعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ‏}‏‏.‏

وقولـه تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ‏}‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ ‏}‏‏.‏

ووجه الدّلالة من هذه الآيات‏:‏ أنّ اللّه سبحانه وتعالى شرع البيع والشّراء والتّجارة ابتغاء الفضل، من غير فصل بين ما إذا وجد من المالك بطريق الأصالة، وبين ما إذا وجد من الوكيل في الابتداء، أو بين ما إذا وجدت الإجازة من المالك في الانتهاء، وبين وجود الرّضا في التّجارة عند العقد أو بعده، فيجب العمل بإطلاقها إلاّ ما خصّ بدليل‏.‏

وأمّا السّنّة فاستدلّوا بحديث عروة البارقيّ‏:‏ » أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أعطاه ديناراً يشتري له به شاةً فاشترى له به شاتين فباع إحداهما بدينار فجاء بشاة ودينار، فدعا له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التّراب لربح فيه «‏.‏

ووجه الاستدلال‏:‏ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أذن لعروة البارقيّ رضي الله عنه أن يشتري شاةً، ولم يأذن له في أن يبيع ما يشتريه، فيكون بيعاً فضوليّاً، ومع ذلك فإنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يبطل العقد، بل أقرّه فدلّ على أنّ مثل هذا التّصرّف صحيح ينتج آثاره بالإقرار أو الإجازة‏.‏

وأمّا القياس‏:‏ فقد قاسوا التّصرّف الموقوف على وصيّة المدين بدين مستغرق، كبيع المرهون فإنّه ينعقد موقوفاً على إجازة المرتهن، وعلى العقد المشروط الّذي فيه الخيار ؛ لأنّ الوصيّة من المدين بدين مستغرق لماله تتوقّف على إجازة المستحقّ، فالوصيّة تصرّف صحيح ولا حكم له في الحال، وكذلك البيع المشروط فيه الخيار تصرّف صحيح ولا حكم له في الحال حتّى يتحقّق كمال الرّضا بين المتعاقدين‏.‏

ويرى فريق آخر من الفقهاء، وهو المشهور في المذهب عند الشّافعيّة والمذهب عند الحنابلة، وهو قول أبي ثور وابن المنذر‏:‏ أنّ العقد الموقوف باطل ولا يصحّ بالإجازة‏.‏ واستدلّوا على بطلان العقد الموقوف بما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » لا طلاق إلاّ فيما تملك، ولا عتق إلاّ فيما تملك، ولا بيع إلاّ فيما تملك، ولا وفاء نذر إلاّ فيما تملك «‏.‏

واستدلّوا كذلك على البطلان بأنّ الفضوليّ أحد طرفي البيع، فلم يقف البيع على الإجازة كالقبول ؛ ولأنّه باع ما لا يقدر على تسليمه كالسّمك في الماء والطّير في الهواء‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏بيع الفضوليّ ف 2 وما بعدها‏)‏‏.‏

التّصرّفات الّتي يسري عليها حكم العقد الموقوف

أ - بيع الصّبيّ المميّز وشراؤه‏:‏

6 - اتّفق الفقهاء على بطلان تصرّفات الصّبيّ غير المميّز من بيع وشراء وغير ذلك ؛ لأنّ عبارته ملغاة لا اعتداد بها شرعاً، فلا تصحّ بها عبادة، ولا تجب بها عقوبة، ولا ينعقد معها بيع أو شراء، ويستمرّ هكذا حتّى يبلغ السّابعة وهو سنّ التّمييز‏.‏

أمّا الصّبيّ المميّز فقد اختلف الفقهاء في انعقاد تصرّفاته من بيع أو شراء إلى فريقين‏:‏ فذهب الفريق الأوّل - وهم الحنفيّة والمالكيّة وأحمد في رواية - إلى أنّ تصرّف الصّبيّ المميّز ينعقد بالبيع والشّراء فيما أذن له الوليّ، وإلاّ كان موقوفاً على إجازة الوليّ أو الوصيّ‏.‏

وذهب الفريق الثّاني - وهم الشّافعيّة وأحمد في رواية - إلى أنّ بيع الصّبيّ المميّز وشراءه لا ينعقد أيّ منهما لعدم أهليّته ؛ لأنّ شرط العاقد عندهم سواء أكان بائعاً، أم مشترياً هو الرّشد‏.‏

ب‏:‏ تصرّفات السّفيه الماليّة‏:‏

7 - اختلف الفقهاء في تصرّفات السّفيه الماليّة كالبيع والشّراء والإجارة الّتي يعقدها‏.‏ فذهب جمهور الفقهاء - المالكيّة وأبو يوسف ومحمّد بن الحسن من الحنفيّة وأحمد في رواية - إلى أنّ هذه التّصرّفات صحيحة وتنعقد موقوفةً على إجازة وليّه، فإن أجازها نفذت وإلاّ بطلت‏.‏

وذهب الشّافعيّة وأحمد في رواية إلى أنّ تصرّفات السّفيه الماليّة باطلة مستدلّين بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ ‏}‏ ووجه الدّلالة من هذه الآية أنّ السّفيه مبذّر لماله ومتلف له، فيجب أن يمنع عنه ماله‏.‏ وذهب أبو حنيفة إلى أنّها صحيحة نافذة ؛ لأنّه لم ير الحجر على السّفيه أصلاً، فهو كالرّشيد في سائر تصرّفاته‏.‏

ج - تصرّف ذي الغفلة وعقوده‏:‏

8 - ذو الغفلة هو‏:‏ من يغبن في البيوع لسلامة قلبه، ولا يهتدي إلى التّصرّفات الرّابحة‏.‏ وعلى الرّغم من اختلاف الفقهاء في تعريف ذي الغفلة إلاّ أنّ المعنى عندهم واحد‏.‏

وقد اختلف الفقهاء في حكم تصرّفات ذي الغفلة وعقوده والحجر عليه‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏حجر ف 15‏)‏‏.‏

د - تصرّفات الفضوليّ‏:‏

9- الفضوليّ هو‏:‏ من يتصرّف في حقّ غيره بغير إذن شرعيّ‏.‏

وقد اختلف الفقهاء في حكم العقد الّذي يوقعه الفضوليّ للمالك على الوجه الآتي‏:‏

ذهب الحنفيّة وأحمد في رواية والشّافعيّ في القديم إلى أنّ تصرّفاته معتبرة، وأنّ عقوده في حالتي البيع والشّراء منعقدة إلاّ أنّها موقوفة على إجازة صاحب الشّأن، فإن أجازها جازت ونفذت وإلاّ بطلت ؛ لأنّ الإجازة الَلاحقة كالوكالة السّابقة‏.‏

وذهب المالكيّة إلى صحّة عقد الفضوليّ موقوفاً على إجازة المالك كذلك، وقيّده بعضهم بما إذا كان المشتري غير عالم بالفضوليّة‏.‏

واستدلّ الحنفيّة والمالكيّة على صحّة تصرّفات الفضوليّ بعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ‏}‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ‏}‏‏.‏

وبحديث عروة البارقيّ رضي الله عنه السّابق‏.‏

وبأنّ الفضوليّ كامل الأهليّة، فإعمال عقده أولى من إهماله، وربّما كان في العقد مصلحة للمالك وليس فيه أي ضرر‏.‏

وذهب الشّافعيّ في مذهبه الجديد وهو إحدى الرّوايتين عن أحمد إلى أنّه لا تصحّ تصرّفات الفضوليّ، فبيع الفضوليّ وشراؤه باطل من أساسه، ولا ينعقد أصلاً فلا تلحقه إجازة صاحب الشّأن‏.‏

وقال ابن رجب‏:‏ تصرّف الفضوليّ جائز موقوف على الإجازة إذا دعت الحاجة إلى التّصرّف في مال الغير أو حقّه وتعذّر استئذانه إمّا للجهل بعينه أو لغيبته ومشقّة انتظاره‏.‏

وقد استدلّ الشّافعيّة والحنابلة على بطلان تصرّفات الفضوليّ بما ورد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال لحكيم بن حزام رضي الله عنه‏:‏ » لا تبع ما ليس عندك « أي‏:‏ ما ليس مملوكاً للبائع وذلك للغرر النّاشئ عن عدم القدرة على التّسليم وقت العقد وما يترتّب عليه من النّزاع ؛ ولأنّ الولاية شرط لانعقاد العقد‏.‏

صور عقد الفضوليّ

من صور عقد الفضوليّ ما يأتي‏:‏

الصّورة الأولى‏:‏ بيع الغاصب

10 - اختلف الفقهاء في بيع الغاصب، فذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّ في القديم وهو رواية عن أحمد إلى صحّة عقد بيع الغاصب ونفوذه بالإجازة‏.‏

ووجهة نظرهم أنّ بيع الغاصب لا يخرج عن كونه عقداً فضوليّاً توفّرت فيه جميع الشّروط المطلوبة للصّحّة، فيلزم القول بصحّته ونفوذه إذا أجازه المالك، ويعبّر عن ذلك السّرخسيّ فيقول‏:‏ فإنّ من أصلنا أنّ ما له مجيز حال وقوعه يتوقّف على الإجازة، وأنّ الإجازة في الانتهاء كالإذن في الابتداء، ولكنّ الشّرط لتمام العقد بالإجازة بقاء المتعاقدين والمعقود عليه والمجيز وذلك كلّه باق هنا‏.‏

وقال الخرشيّ‏:‏ إنّ الغاصب أو المشتري منه إذا باع الشّيء المغصوب فإنّ للمالك أن يجيز ذلك البيع ؛ لأنّ غايته أنّه بيع فضوليّ، وله أن يردّه، وظاهره سواء قبض المشتري المبيع أم لا، وظاهره علم المشتري أنّه غاصب أم لا‏.‏

وذهب الشّافعيّ في الجديد وهو أظهر الرّوايتين عن أحمد إلى بطلان بيع الغاصب‏.‏

وينظر التّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏بيع الفضوليّ‏)‏‏.‏

الصّورة الثّانية‏:‏ تصرّف الوكيل إذا تجاوز حدود الوكالة

أوّلاً‏:‏ مخالفة الوكيل في الشّراء

أ - مخالفة الوكيل في جنس الموكّل بشرائه‏:‏

11 - إذا وكّل إنسان آخر في شراء ثوب من القطن فعلى الوكيل أن يلتزم بما قيّده به موكّله ولا يخالفه، فإن اشترى ثوباً من صوف فقد ذهب الحنفيّة والمالكيّة ورواية عن أحمد إلى أنّ شراء الوكيل وإن خالف موكّله صحيح، لكنّه موقوف على إجازة الموكّل، فإن أجازه نفذ، وإلاّ فإنّه ينفذ على الوكيل‏.‏

وذهب الشّافعيّة وهي الرّواية الأخرى عن أحمد إلى أنّ الشّراء في هذه الحالة باطل في حقّ الموكّل ويقع الشّراء للوكيل‏.‏

ب - مخالفة الوكيل في جنس الثّمن‏:‏

12 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى بطلان شراء الوكيل ؛ لأنّ الموكّل لم يأذن به‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ الوكيل بالشّراء إذا اشترى بغير جنس الثّمن فإنّه يكون فضوليّاً، فإن أجازه الموكّل نفذ عليه وإلاّ فعلى الوكيل‏.‏

وفي رواية عن أبي حنيفة وهو قول ابن قدامة من الحنابلة أنّ الشّراء يلزم الموكّل ؛ لأنّ الدّراهم والدّنانير جنس واحد ؛ ولأنّ الوكيل مأذون بالشّراء عرفاً‏.‏

والرّواية المشهورة عن أبي حنيفة وصاحبيه‏:‏ أنّ الشّراء لا يلزم الموكّل ؛ لأنّ الدّراهم والدّنانير جنسان مختلفان، فيكون الوكيل مخالفاً‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏وكالة‏)‏‏.‏

ج - مخالفة الوكيل المقيّد بالشّراء في قدر الثّمن‏:‏

13 - إذا كان القيد بالشّراء في قدر الثّمن فمخالفة الوكيل إمّا أن تكون إلى خير أو إلى شرّ، فإن كانت مخالفةً إلى خير‏:‏ كأن وكّله بشراء دكّان بألف دينار فاشتراه بتسعمائة فذلك جائز باتّفاق الفقهاء‏.‏

وأمّا إذا خالف الوكيل إلى شرّ‏:‏ بأن اشترى الدّار بأكثر من ثمنها الّذي عيّنه الموكّل فإنّه ينظر في الزّيادة، فإذا كانت قليلةً يتغابن النّاس في مثلها عادةً فإنّها تلزم الموكّل ؛ لأنّ مثل هذه الزّيادة متعارف على وقوعها‏.‏

وأمّا إن كانت كثيرةً لا يتغابن النّاس في مثلها فقد اختلف الفقهاء في ذلك‏:‏

فذهب الحنفيّة إلى أنّ العقد صحيح، ويلزم الوكيل المشترى، ويصير مشترياً لنفسه‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إنّ العقد صحيح إذا كانت الزّيادة كثيرةً عمّا سمّاه له الموكّل، ويكون موقوفاً على إجازته، فإذا قبل فبها ونعمت، وإلاّ لزمت الزّيادة الوكيل‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إنّ العقد باطل‏.‏

وللحنابلة في هذه الحالة روايتان‏:‏

الأولى‏:‏ أنّ العقد يقع صحيحاً ؛ لأنّه مستند في أصله إلى إذن صحيح، فيلزم الموكّل ويلتزم الوكيل بالزّائد عن المسمّى‏.‏

والثّانية‏:‏ يبطل لمخالفته صريح الإذن‏.‏

د - مخالفة الوكيل المقيّد بالشّراء في صفة الثّمن‏:‏

14 - إن كان القيد في صفة الثّمن‏:‏ كأن يوكّل شخص آخر بشراء سيّارة بألف دينار نسيئة فيشتريها بألف حالّة فقد اختلف الفقهاء في ذلك‏:‏

فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ الشّراء صحيح ويلزم الموكّل ؛ لأنّ مخالفة الموكّل في الشّراء صوريّة، والعبرة في المخالفة في المعنى لا في الصّورة‏.‏

وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الشّراء صحيح، لكنّه لا يلزم الموكّل إلاّ أن يرضى به، ويقع للوكيل عند عدم الرّضا به‏.‏

ثانياً‏:‏ مخالفة الوكيل في البيع

15 - اختلف الفقهاء في مخالفة الوكيل بالبيع حين يكون مقيّداً على الوجه الآتي‏:‏

ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّ مخالفة الوكيل في البيع إذا كانت إلى خير، فإنّ بيعه صحيح وينفذ على الموكّل، كما لو وكّله ببيع ثوب حرير بمائة درهم فباعه بمائة وعشرين ؛ لأنّ الإذن في هذا حاصل دلالةً‏.‏

أمّا إذا تصرّف الوكيل خلافاً لما أذن له الموكّل، كأن أمره بالبيع على الحلول فباع نسيئةً، فإنّ بيع الوكيل هنا يكون موقوفاً على إجازة الموكّل، فإن أجازه نفذ عليه وإلاّ فعلى الوكيل، وذلك عند الحنفيّة والمالكيّة، وعند الحنابلة روايتان في صحّته وبطلانه‏.‏

وعند الشّافعيّة مخالفة الوكيل في بيع غير مأذون فيه من قبل الموكّل تبطل بيع الوكيل‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏وكالة‏)‏‏.‏

الصّورة الثّالثة‏:‏ الوصيّة بمال الغير

16 - أجاز الحنفيّة انعقاد وصيّة الفضوليّ بمال الغير موقوفةً على الإجازة ممّن يملكها، فإذا أجازها نفذت وإذا لم يجزها بطلت‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏وصيّة‏)‏‏.‏

الصّورة الرّابعة‏:‏ هبة مال الغير

17 - اختلف الفقهاء في هبة مال الغير بغير إذنه إلى فريقين‏:‏

الفريق الأوّل‏:‏ يرى في هبة مال الغير أنّها تنعقد موقوفةً على إجازة المالك أو من له الحقّ في الإجازة شرعاً، وهذا ما ذهب إليه الحنفيّة والشّافعيّة في القديم والمالكيّة في قول، واحتجّوا بأنّ هبة الفضوليّ لمال الغير تصرّف شرعيّ صادر ممّن هو أهل لإصداره مضاف إلى المحلّ، فينعقد موقوفاً على إجازة صاحب الحقّ، فإن أجازه نفذ وإن ردّه بطل، يضاف إلى ذلك أنّه لا ضرر من انعقاد الهبة موقوفةً على الإجازة ؛ لأنّ الضّرر يتحقّق في انعقادها من الفضوليّ نافذةً لا موقوفةً‏.‏

أمّا الفريق الثّاني‏:‏ فقد ذهب إلى بطلان هبة مال الغير، وهذا قول للمالكيّة والشّافعيّة في الجديد، واحتجّوا على بطلان هبة مال الغير بالقياس، فقالوا‏:‏ هبة الفضوليّ لمال الغير كبيعه تنعقد باطلةً، فكما لا يصحّ بيع الفضوليّ لا تصحّ هبته‏.‏

وللتّفصيل انظر مصطلح‏:‏ ‏(‏هبة‏)‏‏.‏

الصّورة الخامسة‏:‏ وقف مال الغير

18 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة في القديم إلى أنّ الفضوليّ إذا وقف مال الغير توقّف نفاذ هذا التّصرّف على إجازة المالك فإن أجازه نفذ وإن ردّه بطل، وقد احتجّوا بالقياس ووجهه أنّ وقف الفضوليّ لمال الغير كبيعه، وبما أنّ بيعه موقوف فوقفه موقوف على إجازة صاحب الحقّ، وكذلك احتجّوا بأنّ الولاية بالنّسبة لمن يقف مال الغير شرط في النّفاذ لا في الانعقاد، ومن ثمّ فإنّ وقف مال الغير ينعقد موقوفاً على الإجازة ممّن يملكها‏.‏ وذهب المالكيّة في الرّواية الثّانية والشّافعيّة في الجديد إلى بطلان وقف الفضوليّ مال الغير، واستدلّوا بأنّ الفضوليّ ليس له ولاية التّصرّف، فلا يملك إنشاءه‏.‏

وللتّفصيل انظر مصطلح‏:‏ ‏(‏وقف‏)‏‏.‏

التّصرّفات فيما يتعلّق به حقّ الغير

وتشمل ما يأتي‏:‏

أوّلاً‏:‏ بيع المدين المعسر إذا ألحق ضرراً بالدّائنين

19 - اختلف الفقهاء في بيع المدين المعسر المحجور عليه إذا ألحق ضرراً بالدّائنين على قولين‏:‏

القول الأوّل‏:‏ إنّ بيعه ينعقد موقوفاً على إجازة الدّائنين، وإلى هذا ذهب المالكيّة وأبو يوسف ومحمّد من الحنفيّة وهو قول عند الشّافعيّة‏.‏

واستدلّوا بأنّ الحجر على المدين يمنع نفاذ تصرّفه، والمنع من النّفاذ لا يقتضي البطلان، وإنّما يقتضي وقف نفاذ التّصرّف على إجازة الدّائنين ؛ لأنّ الحجر أصلاً مقرّر لمصلحتهم، فإن أجازوا تصرّفات المدين نفذت، وإن شاءوا ردّوها فتبطل‏.‏

ولأنّ تصرّف المدين المحجور عليه كتصرّف المريض مرض الموت الّذي عليه ديون في صحّته، فكلّ تصرّف يصدر منهما ينعقد موقوفاً غير نافذ‏.‏

القول الثّاني‏:‏ إنّ بيع المدين المعسر المحجور عليه يقع باطلاً، وهذا مذهب الحنابلة والأظهر عند الشّافعيّة، فقد اعتبروا كلّ تصرّف ماليّ يصدر من المدين بعد الحجر عليه باطلاً في حقّ الغرماء‏.‏

واستدلّوا بأنّ الحجر يقتضي انعدام أثر تصرّفات المدين المحجور عليه وهذا الانعدام يؤدّي إلى بطلان تصرّفاته محافظةً على حقوق الدّائنين الّتي تعلّقت بأعيان ماله فلم يصحّ تصرّفه فيها‏.‏

ثانياً‏:‏ تبرّع المدين المعسر

20 - اختلف الفقهاء في تبرّعات المدين المعسر المحجور عليه‏:‏

فذهب أبو يوسف ومحمّد إلى أنّه إذا صحّ الحجر بالدّين صار المحجور كمريض عليه ديون الصّحّة، فكلّ تصرّف أدّى إلى إبطال حقّ الغرماء يؤثّر فيه كالهبة والصّدقة‏.‏

ثالثاً‏:‏ تصرّف الوصيّ في القدر الزّائد عن الثّلث والوصيّة لوارث

21 - الوصيّة إمّا أن تكون لوارث أو لغير وارث، والموصى به قد يكون في حدود الثّلث وقد يكون أكثر منه‏.‏

وقد اختلف الفقهاء في حكم ذلك على الوجه الآتي‏:‏

أ - الوصيّة للوارث‏:‏

22 - اختلف الفقهاء في الوصيّة لوارث على قولين‏:‏

القول الأوّل‏:‏ ذهب الحنفيّة وهو الأظهر عند الشّافعيّة والحنابلة وقول عند المالكيّة إلى أنّ الوصيّة للوارث تنعقد صحيحةً موقوفةً على إجازة الورثة، فإن أجازوها بعد وفاة الموصي نفذت وإن لم يجيزوها بطلت ولم يكن لها أثر، وإن أجازها البعض دون البعض نفذت في حقّ من أجازها، وبطلت في حقّ من لم يجز‏.‏

واستدلّوا على ذلك بقول الرّسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ » لا تجوز الوصيّة لوارث إلاّ أن يشاء الورثة «‏.‏

القول الثّاني‏:‏ ذهب المالكيّة والشّافعيّة في مقابل الأظهر وفي رواية عند الحنابلة إلى أنّ الوصيّة للوارث باطلة مطلقاً وإن أجازها سائر الورثة، إلاّ أن يعطوه عطيّةً مبتدأةً، واحتجّوا بظاهر قول الرّسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ » لا وصيّة لوارث «‏.‏

ولأنّ الوصيّة للوارث تلحق الضّرر ببقيّة الورثة وتثير الحفيظة في نفوسهم وقد نهى القرآن الكريم عن ذلك في قوله‏:‏ ‏{‏مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ ‏}‏‏.‏

ب - الوصيّة للأجنبيّ بما زاد عن الثّلث‏:‏

23 - اختلف الفقهاء في الوصيّة بالزّائد على الثّلث للأجنبيّ على قولين‏:‏

القول الأوّل‏:‏ إنّ الوصيّة للأجنبيّ في القدر الزّائد على الثّلث تصحّ وتنعقد، ولكنّها تكون موقوفةً على إجازة الورثة، فإن لم يكن له ورثة نفذت دون حاجة إلى إجازة أحد، وهذا هو مذهب الحنفيّة وكذا المالكيّة والحنابلة في إحدى الرّوايتين عندهما‏.‏

واستدلّوا بأنّ الوصيّة بالزّائد على الثّلث من حقّ الورثة، فإذا أسقطوا هذا الحقّ بالإجازة فإنّه ينفذ ولا يبطل‏.‏

ولا يعتدّ بإجازتهم حال حياة الموصى ؛ لأنّ ذلك يكون قبل ثبوت الحقّ، والحقّ في الإجازة يثبت لهم عند الموت، فكان لهم أن يجيزوا أو يردّوا بعد وفاته‏.‏

القول الثّاني‏:‏ إنّ الوصيّة للأجنبيّ بما زاد عن الثّلث تقع باطلةً، وهذا قول المالكيّة، والحنابلة في الرّواية الثّانية عندهما‏.‏

واستدلّوا‏:‏ » بأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قد نهى سعداً عن التّصدّق بما زاد على الثّلث « والنّهي يقتضي فساد المنهيّ عنه‏.‏

ويرى الشّافعيّة أنّه إذا أوصى بما زاد على الثّلث وردّ الوارث الخاصّ المطلق التّصرّف الزّيادة بطلت الوصيّة في الزّائد لأنّه حقّه‏.‏

أمّا إذا كان الوارث عامّاً فتبطل الوصيّة في الزّائد ابتداءً من غير ردّ لأنّ الحقّ للمسلمين فلا مجيز‏.‏

رابعاً‏:‏ بيع الرّاهن العين المرهونة

24 - ذهب الفقهاء إلى أنّ المرتهن ليس له إلاّ حقّ استيفاء دينه من ثمن المرهون، فإذا تعذّر على الرّاهن وفاء الدّين للمرتهن عند الأجل فهل للرّاهن أن يبيع الشّيء المرهون ‏؟‏ اختلف الفقهاء في ذلك‏:‏

فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ بيع المرهون ينعقد موقوفاً على إجازة المرتهن‏.‏

واستدلّوا على ذلك بأنّ الرّاهن حين يتصرّف في ملكه المرهون يعتبر كالموصي حين يوصي بجميع ماله، فينعقد تصرّفه موقوفاً على إجازة الورثة فيما زاد على الثّلث لتعلّق حقّهم به‏.‏ أمّا الشّافعيّة والحنابلة فقد ذهبوا إلى أنّ بيع الشّيء المرهون باطل‏.‏

واستدلّوا بقول الرّسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ » لا ضرر ولا ضرار «‏.‏

ووجه الاستدلال أنّ في بيع المرهون ضرراً على المرتهن ؛ لأنّ ذلك ينافي حقّه، إذ أنّ حقّه قد تعلّق بالشّيء المرهون، فالتّصرّف فيه بالبيع ونحوه فيه إضرار به، والضّرر ممنوع وتجب إزالته‏.‏

خامساً‏:‏ بيع العين المؤجّرة

25 - اختلف الفقهاء في بيع العين المستأجرة كاختلافهم في بيع المرهون لتعلّق حقّ المرتهن به إلى فريقين‏:‏

فذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ بيع المؤجّر العين المستأجرة لغير المستأجر يقع صحيحاً نافذاً معلّلين قولهم‏:‏ بأنّ البيع وقع على العين، وحقّ المستأجر في المنفعة، فالبيع قد وقع على غير المعقود عليه في الإجارة ؛ ولأنّ ضرر المستأجر ممنوع ؛ لأنّ الضّرر يحصل فيما إذا كان المشتري سيتسلّمها من وقت العقد ولكنّه لن يتسلّمها إلاّ بعد انقضاء المدّة، فليس في بيعها إبطال لحقّ المستأجر‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّ بيع المستأجر ينعقد صحيحاً موقوفاً على إجازة المستأجر، وذلك لتعلّق حقّه به كي لا يلحقه ضرر، وحجّتهم قياس بيع المستأجر على بيع المرهون ينعقد موقوفاً على الإجازة، بجامع أنّ كَلاً منهما قد تعلّق به حقّ الغير، كالمستأجر والمرتهن، وتعلّق حقّ الغير بالمحلّ يمنع نفاذ العقد ويجعله موقوفاً على إجازة من تعلّق حقّه به دفعاً للضّرر‏.‏

سادساً‏:‏ بيع الشّريك حصّته الشّائعة

26 - ذهب جمهور الفقهاء وهم الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في رواية إلى أنّ بيع الشّريك حصّته الشّائعة بدون إذن شريكه ينعقد موقوفاً على إجازة الشّريك أو الشّركاء الآخرين‏.‏

واستدلّوا بما رواه جابر رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » من كان له شريك في حائط فلا يبع نصيبه من ذلك حتّى يعرضه على شريكه « وفي رواية أخرى‏:‏ » حتّى يعرضه على شريكه فيأخذ أو يدع، فإن أبى فشريكه أحقّ به حتّى يؤذنه «‏.‏

وذهب الحنابلة في الرّواية الأخرى إلى أنّ تصرّف الشّريك في الحصّة الشّائعة يكون باطلاً، سواء أكان هذا الجزء قليلاً أم كثيراً، وسواء أكان هذا التّصرّف بيعاً أم هبةً‏.‏

كيفيّة الإجازة في العقد الموقوف

27 - الإجازة‏:‏ الإنفاذ والإمضاء، وترد الإجازة على العقد الموقوف دون النّافذ والباطل، وتقع ممّن يملك التّصرّف، سواء أكان أصيلاً أم وكيلاً أو وليّاً أم وصيّاً أم قيّماً، وكذا كلّ من يتوقّف التّصرّف على إذنه كالشّريك والوارث والدّائنين‏.‏

والأصل في الإجازة أن تكون بالقول المعبّر عنها بنحو قول المجيز‏:‏ أجزت أو أنفذت أو أمضيت أو رضيت ونحو ذلك، وتكون بالفعل‏:‏ فيما لو أخذ المشتري المبيع الّذي لم يدفع ثمنه فأجّره أو أعاره أو وهبه أو كان المبيع داراً فسكنها فكلّ ذلك إجازة فعليّة‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏إجازة‏)‏‏.‏

عَقْر

التّعريف

1 - العَقر - بفتح العين - لغةً الجرح، يقال‏:‏ عقر الفرس والبعير بالسّيف عقراً‏:‏ قطع قوائمه، وأصل العقر ضرب قوائم البعير أو الشّاة بالسّيف وهو قائم، والعقر لا يكون إلاّ في القوائم، ثمّ جعل النّحر عقراً ؛ لأنّ ناحر الإبل يعقرها ثمّ ينحرها، والعقيرة‏:‏ ما عقر من صيد أو غيره‏.‏

وقد استعمله الفقهاء بالمعنيين الواردين‏.‏

أحدهما‏:‏ بمعنى الجرح وهو الإصابة القاتلة للحيوان في أيّ موضع من بدنه إذا كان غير مقدور عليه‏.‏

جاء في الشّرح الصّغير‏:‏ العقر‏:‏ جرح مسلم مميّز وحشيّاً غير مقدور عليه إلاّ بعسر‏.‏

وفي البدائع‏:‏ الجرح في أيّ موضع كان وذلك في الصّيد وما هو في معنى الصّيد‏.‏

والثّاني‏:‏ بمعنى ضرب قوائم الحيوانات‏.‏

وسيأتي بيانه في عقر الدّوابّ المغنومة‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - النّحر‏:‏

2 - النّحر‏:‏ موضع القلادة، ويطلق على الطّعن في لبّة الحيوان، يقال‏:‏ نحر البعير ينحره نحراً‏.‏

فالعقر أعمّ من النّحر‏.‏

ب - الجرح‏:‏

3 - الجرح يطلق في اللّغة على الكسب وعلى التّأثير في الشّيء بالسّلاح ويطلق في بعض كتب الفقه على معنى العقر فهو أعمّ من العقر‏.‏

ج - التّذكية‏:‏

4 - التّذكية هي السّبب الموصّل لحلّ أكل الحيوان البرّيّ اختياراً، فالتّذكية أخصّ ؛ لأنّها تستعمل في الحيوانات المباحة الأكل‏.‏

أثر العقر في حلّ أكل لحم الحيوان

للعقر أثر في حلّ أكل لحم الحيوان، وذلك في المواضع الآتية‏:‏

أ - الأوّل‏:‏ الصّيد‏:‏

5 - يتّفق الفقهاء على أنّ الصّيد إذا كان غير مقدور عليه فإنّه يحلّ أكله بعقره في أيّ مكان من بدنه إذا توافرت الشّروط الّتي ذكرها الفقهاء بالنّسبة للصّائد وللتّسمية ولآلة الصّيد‏.‏

والأصل في ذلك قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ ‏}‏‏.‏

وقد روى أبو ثعلبة الخشنيّ قال‏:‏ أتيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقلت‏:‏ يا رسول اللّه‏:‏ إنّا بأرض صيد، أصيد بقوسي، وأصيد بكلبي المعلّم، والّذي ليس معلّماً فأخبرني ما الّذي يحلّ لنا من ذلك ‏؟‏ قال‏:‏ » وأمّا ما ذكرت من أنّك بأرض صيد فما صدت بقوسك فاذكر اسم اللّه ثمّ كل، وما صدت بكلبك المعلّم فاذكر اسم اللّه ثمّ كل، وما صدت بكلبك الّذي ليس معلّماً فأدركت ذكاته فكل «‏.‏

فإن كان الصّيد مقدوراً عليه كمن أمسك صيداً بحبالة وصار تحت يده ثمّ رماه آخر بسهم فقتله فلا يؤكل‏.‏

ب - الثّاني‏:‏ ما ندّ - نفر وشرد - من الإبل والبقر والغنم‏:‏

6 - ما ندّ من الإبل والبقر والغنم بحيث لا يقدر عليها صاحبها فإنّها تحلّ بالعقر في أيّ مكان ؛ لأنّها كالصّيد غير المقدور عليه، وهذا عند جمهور الفقهاء – الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة – وذلك لأنّ الأصل في حلّ لحم الحيوان هو الذّبح أو النّحر، فإذا تعذّر ذلك فإنّه يصار إلى البدل وهو العقر، وعلى ذلك فلو توحّش حيوان أهليّ أو ندّ – نفر وشرد – أو تردّى في بئر ونحوها فإنّه يحلّ أكله بالعقر في أيّ مكان من جسمه‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ هذا قول أكثر الفقهاء وروي ذلك عن عليّ وابن مسعود وابن عمر وابن عبّاس وعائشة رضي الله تعالى عنهم، وبه قال مسروق والأسود والحسن وعطاء وطاوس وإسحاق والشّعبيّ والحكم وحمّاد والثّوريّ، لما روى رافع بن خديج قال‏:‏ كنّا مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم فنّد بعير وكان في القوم خيل يسيرة فطلبوه فأعياهم فأهوى إليه رجل بسهم فحبسه اللّه، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » إنّ لهذه البهائم أوابد - أي‏:‏ نفور - كأوابد الوحش فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا « وفي لفظ‏:‏ » فما ندّ عليكم فاصنعوا به هكذا «‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ ولأنّ الاعتبار في الذّكاة بحال الحيوان وقت ذبحه لا بأصله، بدليل الوحشيّ إذا قدر عليه وجبت تذكيته في الحلق واللّبّة، وكذلك الأهليّ إذا توحّش يعتبر بحاله فإذا تردّى فلم يقدر على تذكيته فهو معجوز عن تذكيته فأشبه الوحشيّ‏.‏

قال الحنفيّة‏:‏ وسواء ندّ البعير أو البقر في الصّحراء أو في المصر فذكاتها العقر ؛ لأنّهما يدفعان عن أنفسهما فلا يقدر عليهما، قال محمّد‏:‏ والبعير الّذي ندّ على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان بالمدينة، فدلّ على أنّ ندّ البعير في الصّحراء والمصر سواء في هذا الحكم‏.‏

قال محمّد‏:‏ وأمّا الشّاة فإن ندّت في الصّحراء فذكاتها العقر ؛ لأنّه لا يقدر عليها، وإن ندّت في المصر لم يجز عقرها ؛ لأنّه يمكن أخذها إذ هي لا تدفع عن نفسها فكان الذّبح مقدوراً عليه فلا يجوز العقر، وهذا لأنّ العقر خلف عن الذّبح والقدرة على الأصل تمنع المصير إلى الخلف‏.‏

وعند المالكيّة‏:‏ ما ندّ من الحيوانات المستأنسة وتوحّش فإنّه لا يحلّ بالعقر عملاً بالأصل وهذا هو المشهور، ومقابل المشهور هو ما قاله ابن حبيب أنّه إن ندّ غير البقر لم يؤكل بالعقر وإن ندّ البقر جاز أكله بالعقر ؛ لأنّ البقر لها أصل في التّوحّش ترجع إليه وهو شبهها ببقر الوحش، وقال ابن حبيب أيضاً، إن تردّى حيوان في كوّة وأصبح معجوزاً عن ذبحه فإنّه يحلّ بالعقر مطلقاً سواء كان بقراً أو غيره صيانةً للأموال‏.‏

وألحق الحنفيّة الصّيال بالنّدّ، قالوا‏:‏ إذا صال البعير على رجل فقتله وهو يريد الذّكاة حلّ أكله إذا كان لا يقدر على أخذه وضمن قيمته ؛ لأنّه إذا كان لا يقدر على أخذه صار بمنزلة الصّيد فجعل الصّيال منه كندّه ؛ لأنّه يعجز عن أخذه فيعجز عن نحره فيقام الجرح فيه مقام النّحر‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في‏:‏ ‏(‏صيال‏)‏‏.‏

عقر حيوانات الغنيمة عند العجز عن نقلها

7 - المراد بعقر الحيوانات هنا‏:‏ ضرب قوائمها بالسّيف حتّى لا ينتفع بها، فإذا انتهت الحرب وأراد الإمام العود إلى ديار الإسلام وكان معه ما غنمه من الكفّار من أموال وحيوانات، فإن عجز عن نقل الحيوانات إلى دار الإسلام فقد اختلف الفقهاء فيما يفعل بها‏:‏ فالأصل عند الشّافعيّة والحنابلة أنّه لا يجوز عقرها إلاّ للأكل، قال ابن قدامة‏:‏ أمّا عقر دوابّهم في غير حال الحرب لمغايظتهم والإفساد عليهم فلا يجوز سواء خفنا أخذهم لها أو لم نخف، وبهذا قال الأوزاعيّ واللّيث وأبو ثور ؛ لأنّ أبا بكر الصّدّيق رضي الله تعالى عنه قال في وصيّته ليزيد حين بعثه أميراً‏:‏ يا يزيد لا تقتل صبيّاً ولا امرأةً ولا هرماً ولا تخرّبنّ عامراً ولا تعقرنّ شجراً مثمراً ولا دابّةً عجماء ولا شاةً إلاّ لمأكلة‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏

ولأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » نهى عن قتل شيء من الدّوابّ صبراً «، ولأنّه حيوان ذو حرمة فأشبه النّساء والصّبيان، لكن إن كان الحيوان ممّا يستعان به في القتال كالخيل فقال ابن قدامة‏:‏ ويقوى عندي أنّ ما عجز المسلمون عن سياقته وأخذه إن كان ممّا يستعين به الكفّار في القتال كالخيل جاز عقره وإتلافه ؛ لأنّه ممّا يحرم إيصاله إلى الكفّار بالبيع فتركه لهم بغير عوض أولى بالتّحريم، وإن كان ممّا يصلح للأكل فللمسلمين ذبحه والأكل منه مع الحاجة وعدمها، وما عدا هذين القسمين لا يجوز إتلافه ؛ لأنّه مجرّد إفساد وإتلاف وقد » نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن ذبح الحيوان لغير مأكلة « ومثل ذلك عند الشّافعيّة‏.‏

وعند الحنفيّة يحرم عقر الحيوانات لما في ذلك من المثلة بالحيوان، وإنّما تذبح ثمّ تحرق بعد الذّبح لتنقطع منفعتها عن الكفّار‏.‏

وقال المصريّون من أصحاب مالك يجوز عقرها أو ذبحها‏.‏

وقال المدنيّون يكره عقرها وإنّما يجهز عليها وعلى كلا القولين فإنّها تحرق بعد ذلك لئلاّ ينتفع بها‏.‏

أثر عقر الكلب في الضّمان

8 - من أطلق كلباً عقوراً فعقر إنساناً أو دابّةً ليلاً أو نهاراً أو خرق ثوب إنسان فعلى صاحبه ضمان ما أتلفه، وهذا عند الشّافعيّة والحنابلة وهو قول أبي يوسف من الحنفيّة ؛ لأنّ إغراء الكلب بمنزلة إرسال البهيمة فالمصاب على فور الإرسال مضمون على المرسل كذا هنا‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ لا ضمان عليه لأنّ الكلب يعقر باختياره، والإغراء للتّحريض، وفعله جبار‏.‏

وقال محمّد‏:‏ إن كان سائقاً له أو قائداً يضمن، وإن لم يكن سائقاً له ولا قائداً لا يضمن وبه أخذ الطّحاويّ ؛ لأنّ العقر فعل الكلب باختياره فالأصل هو الاقتصار عليه وفعله جبار، إلاّ أنّه بالسّوق أو القود يصير مغرياً إيّاه إلى الإتلاف فيصير سبباً للتّلف فأشبه سوق الدّابّة وقودها‏.‏

ولو دخل رجل دار غيره فعقره كلبه فإن كان دخل بلا إذن فلا ضمان على صاحب الدّار ؛ لأنّه متعدّ بالدّخول متسبّب بعدوانه إلى عقر الكلب له‏.‏

وهذا عند الشّافعيّة والحنابلة، وإن دخل بإذن المالك فعليه ضمانه ؛ لأنّه تسبّب إلى إتلافه وهذا ما يقوله الحنابلة، لكنّ الشّافعيّة قالوا‏:‏ إن أذن له في الدّخول وأعلمه بحال الكلب فلا ضمان على صاحب البيت فإن لم يعلمه بحاله ضمن‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ لو دخل رجل دار غيره فعقره كلبه لا يضمن سواء دخل داره بإذنه أو بغير إذنه ؛ لأنّ فعل الكلب جبار ولم يوجد من صاحبه التّسبيب إلى العقر إذ لم يوجد منه إلاّ الإمساك في البيت وأنّه مباح لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ‏}‏‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إن ربط الكلب بباب الدّار أو في ملكه فلا يضمن ؛ لأنّه ظاهر يمكن الاحتزاز منه‏.‏

وللمالكيّة تفصيل آخر، قالوا‏:‏ من اتّخذ كلباً عقوراً بقصد قتل شخص معيّن وقتله فعليه القود، وإن قتل شخصاً آخر غير المعيّن فعليه الدّية، وإن كان اتّخذ الكلب العقور ولم يقصد بذلك ضرر أحد فقتل إنساناً، فإن كان قد اتّخذ الكلب لوجه جائز كحراسة زرع أو ضرع فعليه الدّية إن أنذر صاحبه قبل القتل وإلاّ فلا شيء عليه‏.‏

وإن اتّخذه لا لوجه جائز ضمن مطلقاً أي سواء تقدّم له إنذار أم لا، وهذا حيث عرف أنّه عقور، وإلاّ لم يضمن لأنّ فعله حينئذ كفعل العجماء‏.‏

عُقْر

التّعريف

1 - من معاني العُقر - بضمّ العين - لغةً‏:‏ المهر، وهو للمغتصبة من الإماء كمهر المثل للحرّة، والعُقر - بالضّمّ - ما تعطاه المرأة على وطء الشّبهة، وأصله‏:‏ أنّ واطئ البكر يعقرها إذا افتضّها، فسمّي ما تعطاه للعقر عقراً، ثمّ صار عامّاً لها وللثّيّب، وجمعه‏:‏ أعقار‏.‏

وقال ابن المظفّر‏:‏ عقر المرأة دية فرجها إذا غصبت فرجها‏.‏

وقال الجوهريّ‏:‏ هو مهر المرأة إذا وطئت بشبهة‏.‏

وفي الاصطلاح نقل ابن عابدين عن الجوهرة أنّ العقر‏:‏ في الحرائر مهر المثل، وفي الإماء عشر القيمة لو بكراً، ونصف العشر لو ثيّباً‏.‏

وفي العناية بهامش فتح القدير‏:‏ العقر‏:‏ مهر المرأة إذا وطئت بشبهة، والمراد به مهر المثل، وبه فسّر الإمام العتّابيّ العقر في الجامع الصّغير، وقال أحمد بن حنبل‏:‏ العقر‏:‏ المهر‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الأجر‏:‏

2 - الأجر لغةً‏:‏ مصدر أجّره يأجره‏:‏ إذا أثابه وأعطاه جزاء عمله‏.‏

ويستعمل الأجر بمعنى الإجارة وبمعنى الأجرة‏.‏

وقد سمّى القرآن مهر المرأة أجراً كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ الَلاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ‏}‏‏.‏

والفقهاء يستعملون الأجر بمعنى العوض عن العمل، وبمعنى بدل المنفعة‏.‏

والعلاقة بين الأجر والعقر‏:‏ أنّ الأجر أعمّ، فهو يستعمل في العقد على منافع البضع وعلى غيره من عقار أو حيوان، أمّا العقر فلا يستعمل إلاّ في منافع البضع‏.‏

الحكم الإجماليّ

3 - ذهب الفقهاء إلى وجوب المهر في النّكاح الصّحيح، دخل بها أم لم يدخل، أمّا النّكاح الفاسد فلا يجب المهر فيه إلاّ بعد الدّخول، واختلفوا هل هو المسمّى أو مهر المثل أو الأقلّ منهما ‏؟‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏نكاح، ومهر‏)‏‏.‏

وكما يجب المهر في النّكاح الفاسد بالدّخول يجب في الوطء بشبهة‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏شبهة‏)‏‏.‏

عَقْعَق

انظر‏:‏ أطعمة‏.‏

عَقْل

التّعريف

1 - من معاني العقل في اللّغة‏:‏ الحجر والنّهي، وهو ضدّ الحمق، والجمع‏:‏ عقول، وعقل الشّيء يعقله عقلاً‏:‏ إذا فهمه، ويقال للقوّة المتهيّئة لقبول العلم‏.‏

ومن معانيه‏:‏ الدّية، يقال‏:‏ عقل القتيل يعقله عقلاً‏:‏ إذا وداه، وعقل عنه‏:‏ أدّى جنايته، وذلك إذا لزمته دية فأعطاها عنه‏.‏

وفي الشّرع العقل‏:‏ القوّة المتهيّئة لقبول العلم، وقيل‏:‏ غريزة يتهيّأ بها الإنسان إلى فهم الخطاب، وقيل‏:‏ نور في القلب يعرف الحسن والقبيح والحقّ والباطل‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

اللّبّ‏:‏

2 - اللّبّ هو‏:‏ العقل الخالص من الشّوائب، وسمّي بذلك لكونه خالص ما في الإنسان من معانيه ؛ لأنّ لبّ كلّ شيء‏:‏ خالصه وخياره، وشيء لباب‏:‏ أي خالص‏.‏

وقيل‏:‏ اللّبّ هو ما زكا من العقل، فكلّ لبّ عقل، وليس كلّ عقل لبّاً، ولهذا علّق اللّه سبحانه الأحكام الّتي لا تدركها إلاّ العقول الزّكيّة بأولي الألباب، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ‏}‏‏.‏

الحكم الإجماليّ

وردت الأحكام المتعلّقة بالعقل في أبواب من كتب الفقه، منها ما يخصّ بالتّكليف، وبيان ذلك فيما يأتي‏:‏

3 - أجمع الفقهاء على أنّ العقل هو مناط التّكليف في الإنسان، فلا تجب عبادة من صلاة أو صيام أو حجّ أو جهاد أو غيرها على من لا عقل له كالمجنون وإن كان مسلماً بالغاً، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » رفع القلم عن ثلاثة‏:‏ عن النّائم حتّى يستيقظ، وعن الصّبيّ حتّى يحتلم، وعن المجنون حتّى يعقل «‏.‏

كما أجمعوا على أنّ غير العاقل لا تعتبر تصرّفاته الماليّة، فلا يصحّ بيعه، ولا إيجاره ولا وكالته أو رهنه، ولا يصحّ أن يكون طرفاً في أيّ عقد من العقود الماليّة وغير الماليّة كالنّكاح والخلع والصّلح والضّمان والإبراء وسائر العقود والفسوخ، ولا اعتبار لأقواله، ولا تؤخذ عليه ولا له، فلا يصحّ منه إسلام ولا ردّة، ولا طلاق ولا ظهار، ولا يعتمد إقراره في النّسب أو المال أو غيرهما، ولا شهادته أو خبره‏.‏

كما أجمعوا على أنّ فاقد العقل من النّاس تسلب منه الولايات، سواء كانت عامّةً أو خاصّةً، وسواء كانت ثابتةً له بالشّرع كولاية النّكاح، أو بالتّفويض كولاية الإيصاء والقضاء ؛ لأنّه إذا لم يل أمر نفسه فأمر غيره أولى‏.‏

4 - إلاّ أنّ العلماء قالوا‏:‏ إنّ بعض أفعال فاقد العقل - كالمجنون والمغمى عليه في حال غيبوبته والمعتوه والصّبيّ - معتبرة وتترتّب عليها نتائجها وأحكامها، وذلك كإحباله، وإتلافه مال غيره، وتقرير المهر بوطئه، وترتّب الحكم على إرضاعه، والتقاطه، واحتطابه، واصطياده، وما شابه ذلك‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏تكليف ف 4، أهليّة ف 9، جنون ف 9، عته ف 5، تمييز ف 9، حجر ف 9، ولاية، شهادة ف 17، قضاء، عقد ف 29‏)‏‏.‏

ومنها نقض الوضوء، فقد أجمع الفقهاء على أنّ زوال العقل بالجنون أو الإغماء أو السّكر أو ما أشبهه من الأدوية المزيلة للعقل ينقض الوضوء‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏نوم، وضوء، وجنون‏)‏‏.‏

ومنها‏:‏ الجناية على العقل فقد أجمع الفقهاء على أنّه لا قصاص في إزالة العقل بجناية لعدم الضّبط ؛ ولأنّه في غير محلّ الجناية، للاختلاف في محلّه‏.‏

وتفاصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏قصاص، قود‏)‏‏.‏

وذهبوا إلى وجوب الدّية في ذهاب العقل بالجناية عليه، لما ورد في كتاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم رضي الله عنه‏:‏ » وفي العقل الدّية «‏.‏

ولأنّه أشرف المعاني قدراً، وأعظم الحواسّ نفعاً، فبه يتميّز الإنسان عن البهيمة، ويعرف به حقائق المعلومات، ويهتدي به إلى المصالح ويتّقي به ما يضرّه، ويدخل به في التّكليف، وهذا إذا لم يرج عوده بقول أهل الخبرة في مدّة مقدّرة، فإن رجي عوده في المدّة المقدّرة انتظر، فإن عاد فلا ضمان كما في سنّ من لم يثغر‏.‏

5- وأمّا الإطلاق الثّاني للعقل وهو الدّية، أي‏:‏ المال الّذي يجب في الجناية على الحرّ في نفس أو فيما دونها‏.‏

فينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏ديات ف 56‏)‏‏.‏

عُقْلَة

انظر‏:‏ سلامى‏.‏

عُقْم

التّعريف

1 - العقم بالفتح، وبالضّمّ‏:‏ اليبس المانع من قبول الأثر، والعقيم‏:‏ الّذي لا يولد له، يطلق على الذّكر والأنثى، يقال‏:‏ عقمت المرأة - إذا لم تحبل - فهي عقيم، قال تعالى حكايةً عن زوجة نبيّ اللّه إبراهيم عليه السلام‏:‏ ‏{‏وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ ‏}‏‏.‏

وفي الأثر‏:‏ » سوداء ولود خير من حسناء عقيم «‏.‏

وكذلك يقال‏:‏ رجل عقيم وعقام‏:‏ لا يولد له‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء للعقم عن معناه اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

العقم‏:‏

2 - من معاني العقر‏:‏ العقم، وهو‏:‏ استعقام الرّحم، وهو أن لا تحمل‏.‏

يقال‏:‏ عقرت المرأة فهي عاقر، وجاء في التّنزيل حكايةً عن نبيّ اللّه زكريّا‏:‏ ‏{‏وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً ‏}‏ أي‏:‏ عقيماً، ويستعمل في الجرح‏.‏

فالعقر أعمّ من العقم‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالعقم

3 - اتّفق الفقهاء على أنّه يستحبّ لمريد النّكاح أن ينكح ولوداً بكراً، ويعرف عنها ذلك بأقاربها ؛ لأنّ النّسل من أهمّ مقاصد الشّارع في الزّواج، والنّسل من أعظم نعم اللّه على النّاس، قال عزّ من قائل‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء ‏}‏‏.‏

وقال جلّ شأنه‏:‏ ‏{‏وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً ‏}‏‏.‏

وحثّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم على تعاطي أسباب الولد، فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ » تزوّجوا الولود الودود، فإنّي مكاثر بكم الأمم يوم القيامة «‏.‏

ونهى عن زواج العقيم، جاء في الأثر‏:‏ » لا تزوّجنّ عاقراً «‏.‏

ونهى عن كلّ ما من شأنه تعطيل النّسل في المعاشرة الزّوجيّة، فنهى عن إتيان النّساء في أعجازهنّ فقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ » إنّ اللّه لا يستحيي من الحقّ لا تأتوا النّساء في أعجازهنّ «‏.‏

ورغب عن العزل، روى أبو سعيد رضي الله عنه قال‏:‏ ذكر العزل عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ » فلم يفعل أحدكم ‏؟‏ فإنّه ليست من نفس مخلوقة إلاّ اللّه خالقها « ووجه النّهي عمّا ذكر تعطيل النّسل، وهو من أهمّ مقاصد الشّارع في تشريع النّكاح‏.‏

نكاح العقيم

4 - اتّفق جمهور الفقهاء على أنّ العقم ليس عيباً يثبت به خيار طلب فسخ عقد النّكاح إذا وجده أحد الزّوجين في الآخر، قال ابن قدامة‏:‏ لا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافاً، إلاّ أنّ الحسن قال‏:‏ إذا وجد أحد الزّوجين الآخر عقيماً يخيّر، وأحبّ أحمد تبيين أمره وقال‏:‏ عسى امرأته تريد الولد، وهذا في ابتداء النّكاح فأمّا الفسخ فلا يثبت به ولو ثبت به لثبت بالآيسة ؛ ولأنّ العقم لا يعلم، فإنّ رجالاً لا يولد لأحدهم وهو شابّ ثمّ يولد له وهو شيخ، ولكن يستحبّ لمن فيه العقم أن يعلم الآخر قبل العقد، ولا يجب عليه ذلك‏.‏

وللتّفصيل ر‏:‏ ‏(‏عيب، فسخ‏)‏‏.‏

وقال ابن القيّم‏:‏ إنّ كلّ عيب ينفّر أحد الزّوجين من الآخر، ولا يحصل مقصود النّكاح من الرّحمة والمودّة يوجب الفسخ‏.‏

إبطال قوّة الحبل والإحبال بالجناية

5 - صرّح الفقهاء بأنّه يجب في إذهاب قوّة الحبل من المرأة والإحبال من الرّجل بجناية دية كاملة لانقطاع النّسل فيكمل فيه الدّية‏.‏

وللتّفصيل انظر مصطلح‏:‏ ‏(‏ديات ف 62‏)‏‏.‏

قطع النّسل بدواء

6 - يحرم على الرّجل تناول دواء يقطع الشّهوة بالكلّيّة، كما يحرم على المرأة تناول ما يقطع الحبل‏.‏