الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ***
وَأَمَّا صِفَةُ التَّدْبِيرِ فَالتَّدْبِيرُ متجزىء في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَتَجَزَّأُ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْحَالِ إثْبَاتُ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ فَيُعْتَبَرُ بِإِثْبَاتِ حَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ وَإِثْبَاتُ حَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذَا إثْبَاتُ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ بِاعْتِبَارِ الْمَالِ وهو إثْبَاتُ حَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ فَكَانَ إعْتَاقًا فَكَانَ الْخِلَافُ فيه لَازِمًا وَعَلَى هذا يَخْرُجُ عَبْدٌ بين اثْنَيْنِ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا أن على قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ صَارَ نَصِيبُهُ خَاصَّةً مُدَبَّرًا وَنَصِيبُ شَرِيكِهِ على مِلْكِهِ لِكَوْنِ التَّدْبِيرِ مُتَجَزِّئًا عِنْدَهُ فَيَقْتَصِرُ على نَصِيبِهِ ثُمَّ إنْ كان الْمُدَبِّرُ مُوسِرًا فَلِلشَّرِيكِ سِتُّ خِيَارَاتٍ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ دَبَّرَ وَإِنْ شَاءَ كَاتَبَ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ على حَالِهِ أَمَّا خِيَارُ الْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكتابةِ وَالِاسْتِسْعَاءِ فَلِأَنَّ نَصِيبَهُ بَقِيَ على مِلْكِهِ في حَقِّ التَّخْرِيجِ إلَى الْعَتَاقِ. وَأَمَّا خِيَارُ التَّضْمِينِ فَلِأَنَّهُ بِالتَّدْبِيرِ أَخْرَجَهُ من أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلتَّمَلُّكِ مُطْلَقًا بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ وَنَحْوِ ذلك فَقَدْ أَتْلَفَهُ عليه في حَقِّ هذه التَّصَرُّفَاتِ فَكَانَ له وِلَايَةُ التَّضْمِينِ وَأَمَّا خِيَارُ التَّرْكِ على حَالِهِ فَلِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لم تَثْبُتْ في جُزْءٍ منه فَجَازَ إبْقَاؤُهُ على الرِّقِّ وأنه مُفِيدٌ لِأَنَّ له أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ مَنْفَعَةَ الْكَسْبِ وَالْخِدْمَةِ فَلَا يُكَلَّفُ بِالتَّخْرِيجِ إلَى الْحُرِّيَّةِ ما لم يَمُتْ الْمُدَبِّرُ فَإِنْ اخْتَارَ الْإِعْتَاقَ فَأَعْتَقَ فَلِلْمُدَبَّرِ أَنْ يَرْجِعَ على الْمُعْتِقِ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عليه نَصِيبَهُ وهو مُدَبَّرٌ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ مُدَبَّرًا وَالْوَلَاءُ بَيْنهمَا لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ مِنْهُمَا لِأَنَّ نَصِيبَ الْمُدَبِّرِ لَا يَحْتَمِل الِانْتِقَالَ إلَى الْمُعْتَقِ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ يَمْنَعُ من ذلك وَلِلْمُعْتِقِ أَنْ يَرْجِعَ على الْعَبْدِ بِمَا ضَمِنَ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْإِعْتَاقِ حَصَلَتْ له وَإِنْ شَاءَ الْمُدَبِّرُ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ وَإِنْ شَاءَ كَاتَبَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى وَلَيْسَ له التَّرْكُ على حَالِهِ لِأَنَّهُ مُعْتِقُ الْبَعْضِ فَيَجِبُ تَخْرِيجُهُ إلَى الْعَتَاقِ. هذا إذَا كان الْمُعْتِقُ مُوسِرًا فَإِنْ كان مُعْسِرًا فَلِلْمُدَبَّرِ ثلاث خِيَارَاتٍ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى وَإِنْ شَاءَ كَاتَبَ وَإِنْ شَاءَ اخْتَارَ التَّدْبِيرَ فَدَبَّرَ نَصِيبَهُ حتى صَارَ الْعَبْدُ مُدَبَّرًا بَيْنهمَا وَسَاوَى شَرِيكَهُ في التَّصَرُّفِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا عَتَقَ نَصِيبُ الْمَيِّتِ بِالتَّدْبِيرِ وَيَكُونُ من الثُّلُثِ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ وَيَسْعَى في نِصْفِ قِيمَتِهِ لِلْبَاقِي إنْ شَاءَ لِأَنَّهُ صَارَ مُعْتِقَ الْبَعْضِ وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ كَاتَبَ وَلَيْسَ له التَّرْكُ على حَالِهِ لِمَا قُلْنَا. فَإِنْ مَاتَ الشَّرِيكُ الْآخَرُ قبل أَخْذِ السِّعَايَةِ عَتَقَ نَصِيبُهُ من الثُّلُثِ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا وَبَطَلَتْ السِّعَايَةُ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ بِمَوْتِ الْمَوْلَى وَالْمُدَبَّرُ إذَا أُعْتِقَ بِمَوْتِ مَوْلَاهُ وَقِيمَتُهُ تَخْرُجُ من الثُّلُثِ لَا يَجِبُ عليه السِّعَايَةُ وَقِيلَ إنَّ هذا على قِيَاسِ قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ فَأَمَّا على قِيَاسِ قَوْلِهِمَا فَلَا يَبْطُلُ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ عِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ فَقَدْ عَتَقَ كُلُّهُ بِمَوْتِ الْأَوَّلِ فَوَجَبَتْ السِّعَايَةُ عليه وهو حُرٌّ فَكَانَ ذلك بِمَنْزِلَةِ دُيُونٍ وَجَبَتْ على الْحُرِّ فَلَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ. وَأَمَّا على قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ فَلَا يَعْتِقُ نَصِيب الشَّرِيكِ ما لم يُؤَدِّ السِّعَايَةَ إذَا اخْتَارَ السِّعَايَةَ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ متجزىء عِنْدَهُ فإذا مَاتَ الشَّرِيكُ فَهَذَا مُدَبَّرٌ مَاتَ مَوْلَاهُ وَقِيمَتُهُ تَخْرُجُ من الثُّلُثِ فَيُعْتَقُ من غَيْرِ سِعَايَةٍ وَإِنْ اخْتَارَ الْكتابةَ وَكَاتَبَهُ صَحَّتْ الْكتابةُ لِأَنَّ نَصِيبَهُ على مِلْكِهِ فَإِنْ أَدَّى فَعَتَقَ مَضَى الْأَمْرُ وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قبل الْأَدَاءِ وهو يَخْرُجُ من الثُّلُثِ عَتَقَ وَبَطَلَتْ عنه السِّعَايَةُ وَإِنْ كان لَا يَخْرُجُ من الثُّلُثِ بِأَنْ لم يَكُنْ له مَالٌ غَيْرُهُ فَفِيهِ خِلَافٌ بين أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ يُذْكَرُ فِيمَا بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْمُدَبِّرِ فَضَمِنَهُ فَقَدْ صَارَ الْعَبْدُ كُلُّهُ لِلْمُدَبِّرِ للانتقال [لانتقال] نَصِيبِ شَرِيكِهِ إلَيْهِ بِالضَّمَانِ وَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْمُدَبِّرِ لِأَنَّ كُلَّهُ عَتَقَ على مِلْكِهِ وَلِلْمُدَبِّرِ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا ضَمِنَ على الْعَبْدِ فَيَسْتَسْعِيهِ لِأَنَّ الشَّرِيكَ كان له أَنْ يَسْتَسْعِيَهُ فلما ضَمِنَ الْمُدَبِّرُ قام مَقَامَهُ فِيمَا كان له فَإِنْ مَاتَ الْمُدَبِّرُ عَتَقَ نِصْفُهُ من ثُلُثِ الْمَالِ لِأَنَّ نِصْفَهُ قد صَارَ مُدَبَّرًا فَيُعْتَقُ بِمَوْتِهِ لَكِنْ من ثُلُثِ الْمَالِ لِمَا قُلْنَا وَيَسْعَى في النِّصْفِ الْآخَرِ كَامِلًا لِلْوَرَثَةِ لِأَنَّ ذلك النِّصْفَ كان قِنًّا وَإِنْ شاؤوا اعتقوا ذلك النِّصْفَ وَإِنْ شاؤوا دَبَّرُوا وَإِنْ شاؤوا كَاتَبُوا وَإِنْ شاؤوا تَرَكُوهُ على حَالِهِ وَإِنْ اخْتَارَ الِاسْتِسْعَاءَ سَعَى الْعَبْدُ في نِصْفِ قِيمَتِهِ فإذا أَدَّى يُعْتَقُ ذلك النِّصْفُ وَلَا يَضْمَنُ الشَّرِيكُ لِلْمُدَبِّرِ شيئا لِأَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ بِسَبَبٍ لَا صُنْعَ له فيه فلم يُوجَدْ منه سَبَبُ وُجُوبِ الضَّمَانِ وَلِلْمُدَبِّرِ أَنْ يَرْجِعَ على الْعَبْدِ فَيَسْتَسْعِيهِ لِأَنَّ الْعَبْدَ صَارَ كَمُعْتَقِ الْبَعْضِ فإذا أَدَّى يَعْتِقُ كُلُّهُ وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ نَصِيبَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَتَقَ على مِلْكِهِ فَإِنْ مَاتَ الْمُدَبِّرُ قبل أَنْ يَأْخُذَ السِّعَايَةَ بَطَلَتْ السِّعَايَةُ وَعَتَقَ ذلك النِّصْفُ من ثُلُثِ مَالِهِ لِمَا بَيَّنَّا. وَإِنْ اخْتَارَ تَرْكَ نَصِيبِهِ على حَاله فَمَاتَ يَكُون نَصِيبُهُ مَوْرُوثًا عنه فَيَنْتَقِلُ الْخِيَارُ إلَى الْوَرَثَةِ في الْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكتابةِ وَالِاسْتِسْعَاءِ وَالتَّرْكِ على حَالِهِ لِأَنَّ نَصِيبَهُ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ وقد كان له هذه الْخِيَارَاتُ وَإِنْ مَاتَ الْمُدَبِّرُ عَتَقَ ذلك النِّصْفُ من الثُّلُثِ وَلِغَيْرِ الْمُدَبِّرِ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ في نِصْفِ قِيمَتِهِ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ دَبَّرَ وَإِنْ شَاءَ كَاتَبَ وَلَيْسَ له خِيَارُ التَّرْكِ لِأَنَّهُ صَارَ مُعْتَقَ للبعض [البعض] فَيَجِبُ تَخْرِيجُهُ إلَى الْعِتْقِ لَا مَحَالَةَ وَالْوَلَاءُ بَيْنهمَا لِأَنَّ نَصِيبَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَتَقَ على مِلْكِهِ هذا إذَا كان الْمُدَبِّرُ موسر [موسرا] فَإِنْ كان مُعْسِرًا فَلِلشَّرِيكِ الْخِيَارَاتُ التي ذَكَرْنَا إلَّا اخْتِيَارَ التَّضْمِينِ. أَمَّا على قَوْلِهِمَا إذَا دَبَّرَ نَصِيبَهُ فَقَدْ صَارَ كُلُّهُ مدبر [مدبرا] لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا وَيَضْمَنُ الْمُدَبِّرُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهِ مُوسِرًا كان أو مُعْسِرًا فَقَدْ فَرَّقَا بين التَّدْبِيرِ وَبَيْنَ الْإِعْتَاقِ إنَّ في الْإِعْتَاقِ لَا يَضْمَنُ إذَا كان مُعْسِرًا وَإِنَّمَا يَسْعَى الْعَبْدُ لِأَنَّ هذا ضَمَانُ إتْلَافٍ أو ضَمَانُ تَمَلُّكٍ أو ضَمَانُ حَبْسِ الْمَالِ وَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ في أُصُولِ الشَّرْعِ إلَّا أَنَّ السِّعَايَةَ في باب الْإِعْتَاقِ ثَبَتَتْ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ بِالنَّصِّ وَلِأَنَّ بِالْإِعْتَاقِ قد زَالَ الْعَبْدُ عن مِلْكِ الْمُعْتِقِ وَصَارَ حُرًّا يسعى [فيسعى] وهو حُرٌّ وَهَهُنَا الْمِلْكُ قَائِمٌ بَعْدَ التَّدْبِيرِ وَكَسْبُ الْمُدَبَّرِ على مِلْكِ مَوْلَاهُ فَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِالِاسْتِسْعَاءِ. هذا إذَا دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا أو دَبَّرَاهُ على التَّعَاقُبِ فَإِنْ دَبَّرَاهُ مَعًا يَنْظُرْ إنْ قال كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قد دَبَّرْتُك أو أنت مُدَبَّرٌ أو نَصِيبِي مِنْك مُدَبَّرٌ أو قال إذَا مِتّ فَأَنْتَ حُرٌّ أو أنت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَخَرَجَ الْكَلَامَانِ مَعًا صَارَ مُدَبَّرًا لَهُمَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ تَدْبِيرَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَادَفَ مِلْكَ نَفَسِهِ فَصَارَ الْعَبْدُ مُدَبَّرًا بَيْنَهُمَا فإذا مَاتَ أَحَدُهُمَا عَتَقَ نَصِيبُهُ من الثُّلُثِ وَالْآخَرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ كَاتَبَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى وَلَيْسَ له أَنْ يَتْرُكَهُ على حَالِهِ لِأَنَّهُ صَارَ مُعْتَقَ الْبَعْضِ فإذا مَاتَ الْبَاقِي مِنْهُمَا قبل أَخْذِ السِّعَايَةِ بَطَلَتْ السِّعَايَةُ وَعَتَقَ إنْ كان يَخْرُجُ من الثُّلُثِ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ قَالَا جميعا إذَا مُتْنَا فَأَنْتَ حُرٌّ أو أنت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِنَا. وَخَرَجَ كَلَامُهُمَا مَعًا لَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا لِأَنَّ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَّقَ عِتْقَهُ بِمَوْتِهِ وَمَوْتِ صَاحِبِهِ فَصَارَ كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قال إنْ مِتّ أنا وَفُلَانٌ فَأَنْتَ حُرٌّ أو أنت حُرٌّ إنْ مِتّ أنا وَفُلَانٌ إلَّا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا فَيَصِيرُ نَصِيبُ الْبَاقِي مِنْهُمَا مُدَبَّرًا لِصَيْرُورَةِ عِتْقِهِ مُعَلَّقًا بِمَوْتِ الْمَوْلَى مُطْلَقًا وَصَارَ نَصِيبُ الْمَيِّتِ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ وَلَهُمْ الْخِيَارَاتُ إنْ شاؤا اعتقوا وَإِنْ شاؤا دَبَّرُوا وَإِنْ شاؤا كَاتَبُوا وَإِنْ شاؤا اسْتَسْعَوْا وَإِنْ شاؤا ضَمِنُوا الشَّرِيكَ إنْ كان مُوسِرًا وإذا مَاتَ الْآخَرُ عَتَقَ نَصِيبُهُ من الثُّلُثِ. هذا إذَا دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا أو كِلَاهُمَا فَإِنْ دَبَّرَ أَحَدُهُمَا أو أَعْتَقَهُ الْآخَرُ فَهَذَا في الْأَصْلِ لَا يَخْلُو من أَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ خَرَجَ الْكَلَامَانِ على التَّعَاقُبِ وَإِمَّا أن خَرَجَا مَعًا فَإِنْ خَرَجَا على التَّعَاقُبِ فَإِمَّا أن عُلِمَ السَّابِقُ مِنْهُمَا وَإِمَّا أن لم يُعْلَمْ فَإِنْ عُلِمَ فَإِنْ كان الْإِعْتَاقُ سَابِقًا بِأَنْ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا أَوَّلًا ثُمَّ دَبَّرَهُ الْآخَرُ فَأَمَّا على قَوْلِ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَكَمَا أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا فَقَدْ عَتَقَ كُلُّهُ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ عِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ وَتَدْبِيرُ الشَّرِيكِ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ صَادَفَ الْحُرَّ وَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّ كُلَّهُ عَتَقَ بِإِعْتَاقِهِ وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ إنْ كان مُوسِرًا وَعَلَى الْعَبْدِ السِّعَايَةُ إنْ كان مُعْسِرًا لِمَا ذَكَرْنَا في كتاب الْعَتَاقِ فَصَارَ كَعَبْدٍ بين اثْنَيْنِ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا وَسَكَتَ الْآخَرُ وقد ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا على قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ إذَا أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا فلم يُعْتِقْ إلَّا نَصِيبَهُ لتجزى [لتجزؤ] الْإِعْتَاقِ عِنْدَهُ فلما دَبَّرَهُ الْآخَرُ فَقَدْ صَحَّ تَدْبِيرُهُ لِأَنَّهُ دَبَّرَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَصَحَّ وَصَارَ مِيرَاثًا لِلْمُعْتِقِ عن الضَّمَانِ لِأَنَّهُ قد ثَبَتَ له بِإِعْتَاقِ الشَّرِيكِ خِيَارَاتٌ منها التَّضْمِينُ وَمِنْهَا التَّدْبِيرُ فإذا دَبَّرَهُ فَقَدْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ فبرىء [فبرئ] الْمُعْتِقُ عن الضَّمَانِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ له وِلَايَةُ التَّضْمِينِ بِشَرْطِ نَقْلِ نَصِيبِهِ إلَى الْمُعْتَقِ بِالضَّمَانِ وقد خَرَجَ الْجَوَابُ عن احْتِمَالِ النَّقْلِ بِالتَّدْبِيرِ فَسَقَطَ الضَّمَانُ وَالْمُدَبِّرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ الذي صَارَ مُدَبَّرًا وَإِنْ شَاءَ كَاتَبَهُ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ وَلَيْسَ له أَنْ يَتْرُكَهُ على حَالِهِ لِأَنَّهُ قد عَتَقَ بَعْضُهُ فَوَجَبَ تَخْرِيجُهُ إلَى الْعِتْقِ بِالطُّرُقِ التي بَيَّنَّا وإذا مَاتَ الْمُدَبِّرُ عَتَقَ نَصِيبُهُ الذي صَارَ مُدَبَّرًا من الثُّلُثِ وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ كُلَّهُ عَتَقَ بِإِعْتَاقِهِمَا النِّصْفُ بِالْإِعْتَاقِ الْبَاتِّ وَالنِّصْفُ بِالتَّدْبِيرِ فَعَتَقَ نَصِيبُ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا على مِلْكِهِ وَإِنْ كان التَّدْبِيرُ سَابِقًا بِأَنْ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا أَوَّلًا ثُمَّ أَعْتَقَ الْآخَرُ فَعَلَى قَوْلِهِمَا كما دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا صَارَ كُلُّهُ مُدَبَّرًا له لِأَنَّ التَّدْبِيرَ عِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ كَالْإِعْتَاقِ الْبَاتِّ وَيَضْمَنُ الْمُدَبِّرُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ قِنًّا سَوَاءً كان مُوسِرًا أو مُعْسِرًا لِمَا بَيَّنَّا. وَأَمَّا على قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ فلم يَصِرْ كُلَّهُ مُدَبَّرًا بَلْ نَصِيبُهُ خَاصَّةً لتجزىء [لتجزؤ] التَّدْبِيرِ عِنْدَهُ فَصَحَّ إعْتَاقُ الشَّرِيكِ فَعَتَقَ نِصْفُهُ وَلِلْمُدَبِّرِ أَنْ يَرْجِعَ على الْمُعْتِقِ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ مُدَبَّرًا إنْ كان الْمُعْتِقُ مُوسِرًا لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ الذي هو مُدَبَّرٌ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ وَلَيْسَ له أَنْ يَتْرُكَهُ على حَالِهِ لِأَنَّهُ مُعْتَقُ الْبَعْضِ وَإِنْ خَرَجَ الْكَلَامَانِ مَعًا لَا يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا على صَاحِبِهِ بِضَمَانٍ لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَجِبُ بِإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ فإذا خَرَجَ الْكَلَامَانِ مَعًا كان كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَصَرِّفًا في مِلْكِ نَفَسِهِ لَا مُتْلِفًا مِلْكَ غَيْرِهِ فَلَا يَجِبُ عليه الضَّمَانُ وَمِنْهُمْ من قال هذا على قِيَاسِ قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ وَالتَّدْبِيرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ فَصَحَّ التَّدْبِيرُ في النِّصْفِ وَالْإِعْتَاقُ في النِّصْفِ فَأَمَّا على قِيَاسِ قَوْلِهِمَا يَنْفُذُ الْإِعْتَاقُ وَيَبْطُلُ التَّدْبِيرُ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ وَالتَّدْبِيرَ لَا يَتَجَزَّآنِ وَالْإِعْتَاقُ أَقْوَى فَيَدْفَعُ الْأَدْنَى وَإِنْ كان أَحَدُهُمَا سَابِقًا لَكِنْ لَا نَعْلَمُ السَّابِقَ مِنْهُمَا من اللَّاحِقِ ذَكَرَ في الْأَصْلِ أَنَّ الْمُعْتِقَ يَضْمَنُ رُبْعَ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِلْمُدَبِّرِ ويستسعى الْعَبْدَ له في الرُّبْعِ الْآخَرِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ ولم يذكر الْخِلَافَ وَمِنْهُمْ من قال هذا قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ فَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْجَوَابُ فيه وَفِيمَا إذَا خَرَجَ الْكَلَامَانِ مَعًا سَوَاءٌ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أن كُلَّ أَمْرَيْنِ حَادِثَيْنِ لَا يُعْلَمُ تَارِيخُهُمَا يُحْكَمُ بِوُقُوعِهِمَا مَعًا في أُصُولِ الشَّرْعِ كَالْغَرْقَى وَالْحَرْقَى وَالْهَدْمَى. وَلِهَذَا قال بَعْضُ أَهْلِ الْأُصُولِ في النَّصِّ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ إذَا تَعَارَضَا وَجُهِلَ التَّارِيخُ أَنَّهُ يُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا وَرَدَا مَعًا وَيُبْنَى الْعَامُّ على الْخَاصِّ على طَرِيقِ الْبَيَانِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ من النَّصِّ الْعَامِّ ما وَرَاءَ الْقَدْرِ الْمَخْصُوصِ وَجْهُ قِيَاسِ قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ أَنَّهُ وَقَعَ الشَّكُّ في وُجُوبِ الضَّمَانِ على الْمُعْتِقِ لِوُقُوعِ الشَّكِّ في سَبَبِ وُجُوبِهِ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ إنْ كان لَاحِقًا كان الْمُدَبَّرُ بِالتَّدْبِيرِ جَبْرِيًّا لِلْمُعْتِقِ من الضَّمَانِ لِمَا مَرَّ وَإِنْ كان سَابِقًا يَجِبْ الضَّمَانُ على الْمُعْتِقِ فَوَقَعَ الشَّكُّ في الْوُجُوبِ وَالْوُجُوبُ لم يَكُنْ ثَابِتًا فَلَا يَثْبُتُ مع الشَّكِّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ له اعْتِبَارُ الْأَحْوَالِ وهو أَنَّ الْإِعْتَاقَ إذَا كان مُتَقَدِّمًا على التَّدْبِيرِ فَقَدْ أَبْرَأَ الْمُدَبِّرُ الْمُعْتِقَ عن الضَّمَانِ وَإِنْ كان مُتَأَخِّرًا فَالْمُعْتِقُ ضَامِنٌ وقد سَقَطَ ضَمَانُ التَّدْبِيرِ بِالْإِعْتَاقِ بَعْدَهُ فَإِذًا لَا ضَمَانَ على الْمُدَبِّرِ في الحالين [الحالتين] جميعا وَالْمُعْتِقُ يَضْمَنُ في حَالٍ وَلَا يَضْمَنُ في حَالٍ وَالْمَضْمُونُ هو النِّصْفُ فيتنصف [فينتصف] فَيَعْتِقُ رُبْعَ الْقِيمَةِ وَيَسْعَى الْعَبْدُ لِلْمُدَبِّرِ في الرُّبْعِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ التَّضْمِينُ فيه وَوَجَبَ تَخْرِيجُهُ إلَى الْعَتَاقِ أُخْرِجَ بِالسِّعَايَةِ كما لو كان الْمُعْتِقُ مُوسِرًا وَاَللَّه عز وجل أعلم. مُدَبَّرَةٌ بين رَجُلَيْنِ جَاءَتْ بِوَلَدٍ ولم يَدَّعِ أَحَدُهُمَا فَهُوَ مُدَبَّرٌ بَيْنَهُمَا كَأُمِّهِ لِأَنَّ وَلَدَ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ لِمَا نذكر [نذر] في بَيَانِ حُكْمِ التَّدْبِيرِ إن شاء الله تعالى. فَإِنْ ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَثْبُتَ نَسَبُهُ منه وهو قَوْلُ زُفَرَ وَإِلَيْهِ مَالَ الطَّحَاوِيُّ من أَصْحَابِنَا وفي الِاسْتِحْسَانِ يَثْبُتُ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُمَا لَمَّا دَبَّرَاهُ فَقَدْ ثَبَتَ حَقُّ الْوَلَاءِ لَهُمَا جميعا لِأَنَّهُ وَلَدُ مُدَبَّرَتِهِمَا جميعا وفي إثْبَاتِ النَّسَبِ من المدعى إبْطَالُ هذا الْحَقِّ عليه وَالْوَلَاءُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ النَّسَبَ قد ثَبَتَ في نَصِيبِ المدعى لِوُجُودِ سَبَبِ الثُّبُوتِ وهو الْوَطْءُ في الْمِلْكِ وإذا ثَبَتَ في نَصِيبِهِ يَثْبُتُ في نَصِيبِ شَرِيكِهِ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَتَجَزَّأُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ حَقُّ الْوَلَاءِ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَنَقُولُ نَحْنُ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْوَلَاءِ لِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا فَيَثْبُتُ النَّسَبُ من الشَّرِيكِ الْمُدَّعِي وَيَبْقَى نِصْفُ الْوَلَاءِ لِلشَّرِيكِ الْآخَرِ وَصَارَ نِصْفُ الْجَارِيَةِ أُمَّ وَلَدٍ له وَنِصْفُهَا مُدَبَّرَةً على حَالِهَا لِلشَّرِيكِ فَإِنْ قِيلَ الاستيلاد لَا يَتَجَزَّأُ وَهَذَا قَوْلٌ بِالتَّجْزِئَةِ فَالْجَوَابُ ما ذَكَرْنَا في كتاب الْعَتَاقِ أَنَّهُ متجزىء في نَفَسِهِ ِنْدَ أبي حَنِيفَةَ كَالْإِعْتَاقِ إلَّا أَنَّهُ يَتَكَامَلُ في بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لِوُجُودِ سَبَبِ التَّكَامُلِ على أَنَّا نَقُولُ الاستيلاد لَا يَتَجَزَّأُ فِيمَا يَحْتَمِلُ نَقْلَ الْمِلْكِ فيه فَأَمَّا ما لَا يَحْتَمِلُ فَهُوَ متجز وَهَهُنَا لَا يَحْتَمِلُ لِمَا نَذْكُرُ وَيَغْرَمُ الْمُدَّعِي نِصْفَ الْعُقْرِ لِشَرِيكِهِ وَنِصْفَ قِيمَةِ الْوَلَدِ مُدَبَّرًا وَلَا يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَةِ الْأُمِّ أَمَّا وُجُوبُ نِصْفِ الْعُقْرِ فَلِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْوَطْءِ في مِلْكِ الْغَيْرِ لِإِقْرَارِهِ بِوَطْءِ مُدَبَّرَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُمَا وَأَنَّهُ حَرَامٌ إلَّا أَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ لِلشُّبْهَةِ لِأَنَّ نِصْفَ الْجَارِيَةِ مِلْكُهُ فَيَجِبُ الْعُقْرُ وَيَغْرَمُ نِصْفَ قِيمَةِ الْوَلَدِ مُدَبَّرًا لِأَنَّهُ بالدعوى [بالدعوة] أَتْلَفَ على شَرِيكِهِ مِلْكَهُ الثَّابِتَ ظَاهِرًا لِأَنَّهُ جعل [حصل] في مَحَلٍّ هو مِلْكُهُمَا فإذا ادَّعَاهُ فَقَدْ أَتْلَفَ على شَرِيكِهِ مِلْكَهُ الثَّابِتَ من حَيْثُ الظَّاهِرُ بِإِخْرَاجِهِ من أَنْ يَكُونَ مُنْتَفِعًا بِهِ مَنْفَعَةَ الْكَسْبِ وَالْخِدْمَةِ فَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا لِأَنَّهُ أَتْلَفَ على شَرِيكِهِ نِصْفَ الْمُدَبَّرِ وَلَا يَغْرَمُ نِصْفَ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ لِأَنَّ نَصِيبَ الشَّرِيكِ قد بَقِيَ على مِلْكِهِ ولم تَصِرْ الْجَارِيَةُ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ له لِأَنَّ اسْتِيلَادَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ يَعْتَمِدُ تَمَلُّكَ نَصِيبِهِ وَنَصِيبُهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّمَلُّكَ لِكَوْنِهِ مُدَبَّرًا بِخِلَافِ الْأَمَةِ الْقِنَّةِ بين رَجُلَيْنِ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَغْرَمُ نِصْفَ عُقْرِ الْجَارِيَةِ لِشَرِيكِهِ وَتَصِيرُ الْجَارِيَةُ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ له وَلَا يَغْرَمُ من قِيمَةِ الْوَلَدِ شيئا لِأَنَّ هُنَاكَ نَصِيبَ الشَّرِيكِ مُحْتَمَلُ النَّقْلِ فَأَمْكَنَ الْقَوْلُ بِتَمَلُّكِ نَصِيبِهِ بِبَدَلِ ضَرُورَةِ صِحَّةِ الاستيلاد وَالتَّمَلُّكُ يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْوَلَدَ حَدَثَ على مِلْكِهِ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا عليه وَهَهُنَا نَصِيبُ الشَّرِيكِ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْلَ فَيَقْتَصِرُ الاستيلاد على نَصِيبِ المدعى وَيَنْفَرِدُ الْوَلَدُ بِالضَّمَانِ لِانْفِرَادِهِ بِسَبَبِ وُجُوبِ الضَّمَانِ. فَإِنْ مَاتَ المدعى أَوَّلًا عَتَقَ نَصِيبُهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ لِأَنَّ نَصِيبَهُ أُمُّ وَلَدٍ له فَلَا تَسْعَى في نَصِيبِهِ وَلَا يَضْمَنُ لِلشَّرِيكِ السَّاكِتِ شيئا لِحُصُولِ الْعِتْقِ من غَيْرِ صُنْعِهِ وهو الْمَوْتُ وَيَسْعَى في نَصِيبِ الْآخَرِ في قَوْلِهِمْ جميعا لِأَنَّ نَصِيبَهُ مُدَبَّرٌ فَإِنْ مَاتَ الْآخَرُ قبل أَنْ يَأْخُذَ السِّعَايَةَ عَتَقَ كُلُّهَا إنْ خَرَجَتْ من ثُلُثِ مَالِهِ وَبَطَلَتْ السِّعَايَةُ عنها في قِيَاسِ قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمَا لَا تَبْطُلُ بِنَاءً على أَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ وقد ذَكَرْنَا وَجْهَ الْبِنَاءِ فِيمَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ مَاتَ الذي لم يَدَّعِ أَوَّلًا عَتَقَ نَصِيبُهُ من الثُّلُثِ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مُدَبَّرٌ له وَلَا يَسْعَى في نَصِيبِ الْآخَرِ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ لِأَنَّ نَصِيبَهُ أُمُّ وَلَدٍ له وَرِقُّ أُمِّ الْوَلَدِ ليس بِمُتَقَوِّمٍ عِنْدَهُ وفي قَوْلِهِمَا يَسْعَى لِأَنَّ رِقَّهُ مُتَقَوِّمٌ فَإِنْ لم يَمُتْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا حتى وَلَدَتْ وَلَدًا آخَرَ فَادَّعَاهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِنِصْفِ الْعُقْرِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِوَطْءِ مُدَبَّرَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُمَا وَأَيُّهُمَا مَاتَ يَعْتِقْ كُلُّ الْجَارِيَةِ لِأَنَّ نَصِيبَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُمُّ وَلَدٍ وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا أُعْتِقَ بَعْضُهَا عَتَقَ كُلُّهَا وَلَا سِعَايَةَ عليها وَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ وَادَّعَيَاهُ جميعا مَعًا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُمَا جميعا وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا جميعا وَيَبْطُلُ التَّدْبِيرُ إلَى خَلَفٍ هو خَيْرٌ وهو الاستيلاد لِأَنَّ عِتْقَ الاستيلاد يَنْفُذُ من جَمِيعِ الْمَالِ فَكَانَ خَيْرًا لها من التَّدْبِيرِ وَحُكْمُ الضَّمَانِ في الْقِنِّ ما هو الْحُكْمُ في الْجَارِيَةِ الْقِنَّةِ وَسَنَذْكُرُهُ في كتاب الاستيلاد إن شاء الله تعالى. وَلَوْ دبر [دبره] عَبْدَهُ ثُمَّ كَاتَبَهُ جَازَتْ الْكتابةُ لِمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ أَدَّى الْكتابةَ قبل مَوْتِ الْمَوْلَى عَتَقَ لِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ بِسَبَبِ الْكتابةِ وهو أَدَاءُ بَدَلِ الْكتابةِ وَإِنْ لم يُؤَدِّ حتى مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَ أَيْضًا إنْ كان يَخْرُجُ كُلُّهُ من ثُلُثِ مَالِ الْمَوْلَى لِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ بِسَبَبِ التَّدْبِيرِ وهو مَوْتُ الْمَوْلَى وَخُرُوجُ الْمُدَبَّرِ من ثُلُثِ مَالِهِ وَلَا سِعَايَةَ عليه لِأَنَّ عِتْقَ الْمُدَبَّرِ وَصِيَّةٌ وَالْوَصِيَّةُ في الثُّلُثِ نَافِذَةٌ فإذا خَرَجَ كُلُّهُ من الثُّلُثِ عَتَقَ كُلُّهُ من غَيْرِ سِعَايَةٍ وَإِنْ لم يَكُنْ له مَالٌ آخَرُ سِوَاهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ اسْتَسْعَى في جَمِيعِ الْكتابةِ وَإِنْ شَاءَ سَعَى في ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ فَإِنْ اخْتَارَ الْكتابةَ سَعَى على النُّجُومِ وَإِنْ اخْتَارَ السِّعَايَةَ في ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ يَسْعَى حَالًا وَهَذَا قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ. وقال أبو يُوسُفَ يَسْعَى في الْأَقَلِّ من جَمِيعِ الْكتابةِ وَمِنْ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ وقال مُحَمَّدٌ يَسْعَى في الْأَقَلِّ من ثُلُثَيْ الْكتابةِ وَمِنْ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ وَالْخِلَافُ في هذه الْمَسْأَلَةِ يَقَعُ في فصليْنِ أَحَدُهُمَا في الْخِيَارِ وَالثَّانِي في الْمِقْدَارِ وَالْخِلَافُ في الْخِيَارِ بين أبي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ وفي الْمِقْدَارِ بين أبي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ أَمَّا فصل الْخِيَارِ فَالْخِلَافُ فيه مَبْنِيٌّ على أَنَّ الْعِتْقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ. وَوَجْهُ الْبِنَاءِ على هذا الْأَصْلِ أَنَّ الْعِتْقَ لَمَّا كان مُتَجَزِّئًا عِنْدَهُ لم يَعْتِقْ بِمَوْتِ الْمَوْلَى إلَّا ثُلُثُ الْعَبْدِ وَبَقِيَ الثُّلُثَانِ منه رَقِيقًا وقد تَوَجَّهَ إلَى الثُّلُثَيْنِ الْعِتْقُ من جِهَتَيْنِ أحدهما [إحداهما] الْكتابةُ بِأَدَاءِ بَدَلٍ مُؤَجَّلٍ وَالثَّانِيَةُ التَّدْبِيرُ بِسِعَايَةِ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ مُعَجَّلًا فَيُخَيَّرُ إنْ شَاءَ مَالَ إلَى هذا وَإِنْ شَاءَ مَالَ إلَى ذَاكَ وَلَمَّا لم يَكُنْ الْعِتْقُ مُتَجَزِّئًا عِنْدَهُمَا فإذا عَتَقَ ثُلُثُهُ بِالْمَوْتِ فَقَدْ عَتَقَ كُلُّهُ وَبَطَلَ التَّأْجِيلُ في بَدَلِ الْكتابةِ فَصَارَ الْمَالَانِ جميعا حَالًا وَعَلَيْهِ أَخْذُ الْمَالَيْنِ إمَّا الْكتابةَ وَإِمَّا السِّعَايَةَ وَأَحَدُهُمَا أَقَلُّ وَالْآخَرُ أَكْثَرُ فَلَا فَائِدَةَ في التَّخْيِيرِ لِأَنَّهُ يَخْتَارُ الْأَقَلَّ لَا مَحَالَةَ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ عليه إذَا كان أَحَدُ الْمَالَيْنِ وَأَحَدُهُمَا أَكْثَرُ من الْآخَرِ أو أَقَلُّ كان الْأَقَلُّ مُتَيَقَّنًا بِهِ فَيَلْزَمُهُ ذلك. وَأَمَّا فصل الْمِقْدَارِ فَوَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أن بَدَلَ الْكتابةِ كُلَّهُ قُوبِلَ بِكُلِّ الرَّقَبَةِ لِأَنَّ الْعَقْدَ قد انْعَقَدَ عليه حَيْثُ قال كَاتَبْتُك على كَذَا وقد عَتَقَ ثُلُثُ الرَّقَبَةِ فَيَسْقُطُ عنه ما كان بِمُقَابَلَتِهِ وهو ثُلُثُ الْبَدَلِ فَيَبْقَى الثُّلُثَانِ وَلِأَنَّ ثُلُثَ مَالِ الْمَوْلَى لو كان مِثْلَ كل قِيمَةِ الْعَبْدِ لَسَقَطَ عنه كُلُّ بَدَلِ الْكتابةِ فإذا كان مِثْلَ ثُلُثِ قِيمَتِهِ يَجِبُ أَنْ يَسْقُطَ ثُلُثُ بَدَلِ الْكتابةِ فَيَبْقَى الثُّلُثَانِ فَيَسْعَى في الْأَقَلِّ من ثُلُثَيْ الْكتابةِ وَمِنْ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ لِمَا قُلْنَا. وَلَهُمَا أَنَّ الْعَبْدَ كان اسْتَحَقَّ ثُلُثَ رَقَبَتِهِ بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ قبل عَقْدِ الْكتابةِ فإنه يُسَلَّمُ له ذلك كَائِنًا ما كان فإذا كَاتَبَهُ بَعْدَ ذلك فَالْبَدَلُ لَا يُقَابِلُ الْقَدْرَ الْمُسْتَحَقَّ وهو الثُّلُثُ وَإِنَّمَا يُقَابِلُ الثُّلُثَيْنِ فإذا قال كَاتَبْتُك على كَذَا فَقَدْ جَعَلَ الْمَالَ بِمُقَابَلَةِ ما لَا يَصِحُّ الْمُقَابَلَةُ بِهِ وهو الثُّلُثُ وَبِمُقَابَلَةِ ما يَصِحُّ الْمُقَابَلَةُ بِهِ وهو الثُّلُثَانِ يصرف [فيصرف] كُلَّ الْبَدَلِ إلَى ما يَصِحُّ الْمُقَابَلَةُ بِهِ وهو الثُّلُثَانِ كَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْحُرَّةَ تَطْلِيقَتَيْنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا على أَلْفِ دِرْهَمٍ لَزِمَهَا كُلُّ الْأَلْفِ لِمَا قُلْنَا وَكَذَا إذَا جَمَعَ بين من يَحِلُّ نِكَاحُهَا وَبَيْنَ من لَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا فيزوجهما [فتزوجها] بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَجَبَتْ الْأَلْفُ كُلُّهَا بِمُقَابَلَةِ نِكَاحِ من يَحِلُّ له نِكَاحُهَا عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وإذا كان الْأَمْرُ على ما وَصَفْنَا فَالثُّلُثُ وَإِنْ عَتَقَ عِنْدَ الْمَوْتِ لَكِنْ لَا بَدَلَ بِمُقَابَلَتِهِ وَإِنَّمَا الْبَدَلُ كُلُّهُ بِمُقَابَلَةِ الثُّلُثَيْنِ فلم يَسْقُطْ من الْبَدَلِ شَيْءٌ بِخِلَافِ ما إذَا خَرَجَ الْعَبْدُ كُلُّهُ من الثُّلُثِ لِأَنَّ هُنَاكَ يُسَلَّمُ له جَمِيعُ رَقَبَتِهِ فَلَزِمَ الْقَوْلُ بِالْبَرَاءَةِ هذا إذَا دَبَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ كَاتَبَهُ فَإِنْ كَاتَبَهُ ثُمَّ دَبَّرَهُ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى فَعَلَى قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ إنْ شَاءَ سَعَى في ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ وَإِنْ شَاءَ سَعَى في ثُلُثَيْ الْكتابةِ وَعِنْدَهُمَا يَسْعَى في الْأَقَلِّ من ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ وَمِنْ ثُلُثَيْ الْكتابةِ فَقَدْ اتَّفَقُوا على الْمِقْدَارِ هَهُنَا حَيْثُ قالوا مِقْدَارُ بَدَلِ الْكتابةِ ثُلُثَانِ وَإِنَّمَا كان كَذَلِكَ لِأَنَّ هُنَاكَ كَاتَبَهُ وَالْعَبْدُ لم يَكُنْ اسْتَحَقَّ شيئا من رَقَبَتِهِ فَكَانَ جَمِيعُ الْبَدَلِ بِمُقَابَلَةِ جَمِيعِ الرَّقَبَةِ وقد عَتَقَ عِنْدَ الْمَوْتِ بِسَبَبِ التَّدْبِيرِ ثُلُثُهُ فَيَسْقُطُ ما كان بِإِزَائِهِ من الْبَدَلِ فَبَقِيَ الثُّلُثَانِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا في الْخِيَارِ فَعِنْدَ أبي حَنِيفَةَ يُخَيَّرُ بين الثُّلُثَيْنِ من بَدَلِ الْكتابةِ مُؤَجَّلًا وَبَيْنَ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ مُعَجَّلًا وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ عليه الْأَقَلُّ مِنْهُمَا بِنَاءً على تجزىء [تجزؤ] الْإِعْتَاقِ وَعَدَمِ تَجَزُّئِهِ على ما بَيَّنَّا في الْفصل الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ عز وجل أعلم.
وَأَمَّا حُكْمُ التَّدْبِيرِ فَنَوْعَانِ نَوْعٌ يَرْجِعُ إلَى حَيَاةِ الْمُدَبِّرِ وَنَوْعٌ يَرْجِعُ إلَى ما بَعْدَ مَوْتِهِ أَمَّا الذي يَرْجِعُ إلَى حَالِ حَيَاةِ الْمُدَبِّرِ فَهُوَ ثُبُوتُ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ لِلْمُدَبَّرِ إذَا كان التَّدْبِيرُ مُطْلَقًا وَهَذَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا حُكْمَ له في حَالِ حَيَاةِ الْمُدَبِّرِ رَأْسًا فَلَا يَثْبُتُ حَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ وَلَا حَقُّهَا بَلْ حُكْمُهُ ثُبُوتُ حَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ مَقْصُورًا عليه وَعَلَى هذا يُبْنَى بَيْعُ الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ جَائِزٌ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ بِالْإِجْمَاعِ. احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِمَا رُوِيَ عن عَطَاءٍ أَنَّهُ قال دَبَّرَ رَجُلٌ عَبْدَهُ فَاحْتَاجَ فَبَاعَهُ رسول اللَّهِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَدْنَى دَرَجَاتِ فِعْلِ رسول اللَّهِ الْجَوَازُ وَلِأَنَّ التَّدْبِيرَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ وأنه لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْبَيْعِ كَالتَّعْلِيقِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ من دُخُولِ الدَّارِ وَكَلَامِ زَيْدٍ وَغَيْرِ ذلك وَكَالتَّدْبِيرِ الْمُقَيَّدِ وَلِأَنَّ فيه مَعْنَى الْوَصِيَّةِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْبَيْعِ كما إذَا أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ ثُمَّ بَاعَهُ وَلَنَا ما رُوِيَ عن نَافِعٍ عن ابْنِ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما عن رسول اللَّهِ أَنَّهُ قال الْمُدَبَّرُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وهو حُرٌّ من ثُلُثِ الْمَالِ وَهَذَا نَصٌّ في الْباب وَعَنْ أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَجَابِرِ بن عبد اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ نهى عن بَيْعِ الْمُدَبَّرِ وَمُطْلَقُ النَّهْيِ يُحْمَلُ على التَّحْرِيمِ. وَرُوِيَ عن عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَزَيْدِ بن ثَابِتٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بن عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ مِثْلُ مَذْهَبِنَا وهو قَوْلُ جَمَاعَةٍ من التَّابِعِينَ مِثْلَ شُرَيْحُ وَمَسْرُوقٍ وَسَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِمِ بن مُحَمَّدٍ وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بن عَلِيٍّ وَمُحَمَّدِ بن سِيرِينَ وَعُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ وَالشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَسَعِيدٍ بن جُبَيْرٍ وَسَالِمِ بن عبد اللَّهِ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ حتى قال أبو حَنِيفَةَ لَوْلَا قَوْلُ هَؤُلَاءِ الْأَجِلَّةِ لَقُلْت بِجَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ لِمَا دَلَّ عليه من النَّظَرِ وَلَنَا لِإِثْبَاتِ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ ضَرُورَةُ الْإِجْمَاعِ وَدَلَالَةُ غَرَضِ الْمُدَبِّرِ أَمَّا ضَرُورَةُ الْإِجْمَاعِ فَهِيَ أَنَّ الْحُرِّيَّةَ تَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْحُرِّيَّةُ لَا بُدَّ لها من سَبَبٍ وَلَا سَبَبَ هَهُنَا سِوَى الْكَلَامِ السَّابِقِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُجْعَلَ سَبَبًا لِلْحَالِ وَإِمَّا أَنْ يُجْعَلَ سَبَبًا بَعْدَ الشَّرْطِ وَلَا سَبِيلَ إلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ ليس من أَهْلِ مُبَاشَرَةِ السَّبَبِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا عِنْدَ وُجُودِهِ فَكَانَ الْكَلَامُ السَّابِقُ سَبَبًا في الْحَالِ لِثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَسْنَا نَعْنِي ثُبُوتَ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ لِلْمُدَبِّرِ إلَّا هذا وَهَذَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْبَيْعَ إبْطَالُ السَّبَبِيَّةِ إذْ لَا تَثْبُتُ الْحُرِّيَّةُ عِنْدَ الْمَوْتِ بَعْدَ الْبَيْعِ. وَأَمَّا دَلَالَةُ الْغَرَضِ فَهُوَ أَنَّ غَرَضَ الْمُدَبِّرِ من التَّدْبِيرِ أَنْ تسلم [يسلم] الْحُرِّيَّةَ لَلْمُدَبَّرِ عِنْدَ الْمَوْتِ إمَّا تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ عز وجل بِالْإِعْتَاقِ لِإِعْتَاقِ رَقَبَتِهِ من النَّارِ كما نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ وَإِمَّا حَقًّا لِخِدْمَتِهِ الْقَدِيمَةِ مع بَقَاءِ مَنَافِعِهِ على مِلْكِهِ في حَيَاتِهِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهَا وَلَا طَرِيقَ لِتَحْصِيلِ الْغَرَضَيْنِ إلَّا بِجَعْلِ التَّدْبِيرِ سبعا [سببا] في الْحَالِ لِثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ إذْ لو ثَبَتَتْ الْحُرِّيَّةُ في الْحَالِ لَفَاتَ غَرَضُهُ في الِانْتِفَاعِ بِهِ وَلَوْ لم يَنْعَقِدْ شيئا [شيء] رَأْسًا لَفَاتَ غَرَضُهُ في الْعِتْقِ لِجَوَازِ أَنْ يَبِيعَهُ لِشِدَّةِ غَضَبٍ أو غَيْرِ ذلك فَكَانَ انْعِقَادُهُ سَبَبًا في الْحَالِ وَتَأَخُّرُ الْحُرِّيَّةِ إلَى ما بَعْدَ الْمَوْتِ طَرِيقُ إحْرَازِ الْغَرَضَيْنِ فَثَبَتَ ذلك بِدَلَالَةِ الْحَالِ فَيَتَقَيَّدُ الْكَلَامُ بِهِ إذْ الْكَلَامُ يَتَقَيَّدُ بِدَلَالَةِ الْغَرَضِ فَإِنْ قِيلَ هذا مُنَاقِضٌ لِأَصْلِكُمْ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ وَمِنْ أَصْلِكُمْ أَنَّ التَّعْلِيقَاتِ لَيْسَتْ أَسْبابا لِلْحَالِ وَإِنَّمَا تَصِيرُ أَسْبابا عِنْدَ وُجُودِ شُرُوطِهَا وَعَلَى هذا بَنَيْتُمْ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالْمِلْكِ وَسَبَبِهِ وَهَهُنَا جَعَلْتُمْ التَّدْبِيرَ سَبَبًا لِثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ لِلْحَالِ وَهَذَا مُنَاقَضَةٌ في الْأَصْلِ وَالتَّنَاقُضُ في اوصل [الأصل] دَلِيلُ فَسَادِ الْفَرْعِ. فَالْجَوَابُ أن هذا أَصْلُنَا فِيمَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ سَبَبًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَفِيمَا لم يُرِدْ الْمُتَكَلِّمُ جَعْلَهُ سَبَبًا في الْحَالِ وفي التَّعْلِيقِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ وَأَمْكَنَ اعْتِبَارُهُ سَبَبًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهَهُنَا لَا يُمْكِنُ لِمَا بَيَّنَّا وَكَذَا في التَّعْلِيقِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ أَرَادَ الْمُتَكَلِّمُ كَوْنَهُ سَبَبًا عِنْدَ الشَّرْطِ وَهَهُنَا أَرَادَ كَوْنَهُ سَبَبًا في الْحَالِ لِمَا قُلْنَا فَتَعَيَّنَ سَبَبًا لِلْحَالِ لِثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ في الثَّانِي وَأَمَّا حَدِيثُ عَطَاءٍ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ ذلك كان تَدْبِيرًا مُقَيَّدًا وَقَوْلُهُ بَاعَ حِكَايَةُ فِعْلٍ فَلَا عُمُومَ له وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ بَاعَ أَيْ آجر إذْ الإجارة تُسَمَّى بَيْعًا بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهَكَذَا رَوَى مُحَمَّدٌ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَاعَ خِدْمَةَ مُدَبَّرٍ ولم يَبِعْ رَقَبَتَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كان ذلك في ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ حين كان بَيْعُ الْحُرِّ مَشْرُوعًا على ما رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ بَاعَ رَجُلًا بِدَيْنِهِ يُقَالُ له سُرَّقٌ ثُمَّ صَارَ مَنْسُوخًا بِنَسْخِ بَيْعِ الْحُرِّ لِثُبُوتِ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ في الْمُدَبَّرِ إلْحَاقًا لِلْحَقِّ بِالْحَقِيقَةِ في باب الْحُرُمَاتِ وَأَمَّا الْمُدَبَّرُ الْمُقَيَّدُ فَهُنَاكَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْكَلَامُ سَبَبًا لِلْحَالِ لِأَنَّ الْأَمْرَ مُتَرَدِّدٌ بين أَنْ يَمُوتَ من ذلك الْمَرَضِ وفي ذلك السَّفَرِ أو لَا يَمُوتَ فَكَانَ الشَّرْطُ مُحْتَمِلَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ فلم يَكُنْ التَّعْلِيقُ سَبَبًا لِلْحَالِ كَالتَّعْلِيقِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ وَكَذَا لَمَّا عَلَّقَ الْعِتْقَ بِأَمْرٍ يَحْتَمِلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ دَلَّ أَنَّهُ ليس غَرَضُهُ من هذا الْكَلَامِ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ عز وجل بِإِعْتَاقِ هذا الْعَبْدِ وَلَا قَضَاءَ حَقِّ الْخِدْمَةِ الْقَدِيمَةِ إذْ لو كان ذلك غَرَضُهُ لَعَلَّقَهُ بِشَرْطٍ كَائِنٍ لَا مَحَالَةَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ في التَّدْبِيرِ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ فَنَعَمْ لَكِنْ هذه وَصِيَّةٌ لَازِمَةٌ لِثُبُوتِهَا في ضِمْنِ أَمْرٍ لَازِمٍ وهو الْيَمِينُ فَلَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَلِهَذَا لَا يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْإِعْتَاقِ فَإِنْ قِيلَ هذا يُشْكَلُ بِالتَّدْبِيرِ الْمُقَيَّدِ فإنه يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ اللَّازِمَةِ وَمَعَ هذا يَجُوزُ بَيْعُهُ قِيلَ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ لِلْحَالِ مُتَرَدِّدٌ لِتَرَدُّدِ مَوْتِهِ على تِلْكَ الصِّفَةِ فَلَا يَصِيرُ الْعَبْدُ مُوصًى له قبل الْمَوْتِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ وَهَهُنَا بِخِلَافِهِ وإذا ثَبَتَ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ لِلْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ في الْحَالِ فَكُلُّ تَصَرُّفٍ فيه يُبْطِلُ هذا الْحَقَّ لَا يَجُوزُ وما لَا يُبْطِلُهُ يَجُوزُ. وَعَلَى هذا تَخْرِيجُ الْمَسَائِلِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ وَالْوِصَايَةُ بِهِ لِأَنَّهُ تَصَرُّفُ تَمْلِيكِ الرَّقَبَةِ فَيَبْطُلُ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ وَلَا يَجُوزُ رَهْنُهُ لِأَنَّ الرَّهْنَ والإرتهان من باب إيفَاءِ الدَّيْنِ وَاسْتِيفَائِهِ عِنْدَنَا فَكَانَ من باب تَمْلِيكِ الْعَيْنِ وَتَمَلُّكِهَا وَيَجُوزُ إجَارَتُهُ لِأَنَّهَا لَا تُبْطِلُ هذا الْحَقَّ لِأَنَّهَا تَصَرُّفٌ في الْمَنْفَعَةِ بِالتَّمْلِيكِ لَا في الْعَيْنِ وَالْمَنَافِعُ على مِلْكِ الْمُدَبِّرِ وقد رَوَيْنَا عن رسول اللَّهِ أَنَّهُ بَاعَ خِدْمَةَ الْمُدَبَّرِ ولم يَبِعْ رَقَبَتَهُ وَبَيْعُ خِدْمَةِ الْمُدَبَّرِ بَيْعُ مَنْفَعَتِهِ وهو مَعْنَى الإجارة وَيَجُوزُ الِاسْتِخْدَامُ وَكَذَا الْوَطْءُ وَالِاسْتِمْتَاعُ في الْأَمَةِ لِأَنَّهَا اسْتِيفَاءُ الْمَنَافِعِ وَيَجُوزُ تَزْوِيجُهَا لِأَنَّ التَّزْوِيجَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ وَعَنْ عبد اللَّهِ بن عُمَرَ أَنَّهُ كان يَطَأُ مُدَبَّرَتَهُ وَلِأَنَّ الاستيلاد آكَدُ من التَّدْبِيرِ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْحُرْمَةَ من جَمِيعِ الْمَالِ وَالتَّدْبِيرُ من الثُّلُثِ ثُمَّ الاستيلاد لَا يَمْنَعُ من الإجارة وَالِاسْتِخْدَامِ وَلَا يَمْنَعُ من الِاسْتِمْتَاعِ وَالْوَطْءِ وَالتَّزْوِيجِ في الْأَمَةِ فَالتَّدْبِيرُ أَوْلَى وَالأجرةُ وَالْمَهْرُ وَالْعُقْرُ وَالْكَسْبُ وَالْغَلَّةُ لِلْمَوْلَى لِأَنَّهَا بَدَلُ الْمَنَافِعِ وَالْمَنَافِعُ مِلْكُهُ وَالْأَرْشُ له لِأَنَّهُ بَدَلُ جُزْءٍ فَاتَ على مِلْكِهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ بِرَقَبَتِهِ لِأَنَّ رَقَبَتَهُ لَا تَحْتَمِلُ الْبَيْعَ لِمَا بَيَّنَّا وَيَتَعَلَّقُ بِكَسْبِهِ وَيَسْعَى في دُيُونِهِ بَالِغَةً ما بَلَغَتْ وَجِنَايَتُهُ على الْمَوْلَى وهو الْأَقَلُّ من قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَلَا يَضْمَنُ الْمَوْلَى أَكْثَرَ من قِيمَةٍ واحدة وَاحِدَةٍ وَإِنْ كَثُرَتْ الْجِنَايَاتُ لِمَا نَذْكُرُ في كتاب الْجِنَايَاتِ إن شاء الله تعالى. وَيَجُوزُ إعْتَاقُهُ لِأَنَّهُ إيصَالُهُ إلَى حَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ مُعَجَّلًا وَلِأَنَّ الْمَنْعَ من الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ لِمَا فيه من مَنْعِهِ من وُصُولِهِ إلَى هذا الْمَقْصُودِ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَمْنَعَ من إيصَالِهِ إلَيْهِ وَلِهَذَا جَازَ إعْتَاقُهُ أُمَّ الْوَلَدِ كَذَا الْمُدَبَّرُ وَيَجُوزُ مُكَاتَبَتُهُ لِأَنَّهُ يُرِيدُ تَعْجِيلَ الْحُرِّيَّةِ إلَيْهِ وَالْمَوْلَى يَمْلِكُ ذلك كما يَمْلِكُ مُكَاتَبَةَ أُمِّ الْوَلَدِ وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ من غَيْرِ سَيِّدِهَا بِمَنْزِلَتِهَا لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ على ذلك فإنه رُوِيَ عن ابْنِ مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ بِمَنْزِلَتِهَا يَعْتِقُ بِعِتْقِهَا وَيَرِقُّ بِرِقِّهَا. وَرُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ رضي اللَّهُ عنه خُوصِمَ إلَيْهِ في أَوْلَادِ مُدَبَّرَةٍ فَقَضَى أَنَّ ما وَلَدَتْهُ قبل التَّدْبِيرِ عَبْدٌ وما وَلَدَتْهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ مُدَبَّرٌ وكان ذلك بِمَحْضَرٍ من الصَّحَابَةِ ولم يُنْكِرْ عليه أَحَدٌ منهم فَيَكُونَ إجْمَاعًا وهو قَوْلُ شُرَيْحٍ وَمَسْرُوقٍ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بن جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَا يُعْرَفُ في السَّلَفِ خِلَافُ ذلك وَإِنَّمَا قال بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فَلَا يعقد [يعتد] بِقَوْلِهِ لخالفته [لمخالفة] الْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَوَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ وما وَلَدَتْهُ قبل التَّدْبِيرِ فَهُوَ من أَقْضِيَةِ عُثْمَانَ رضي اللَّهُ عنه بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ وَلِأَنَّ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ لم يَكُنْ ثَابِتًا في الْأُمِّ وَقْتَ الْوِلَادَةِ حتى يَسْرِيَ إلَى الْوَلَدِ. وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَوْلَى وَالْمُدَبَّرَةُ في وَلَدِهَا فقال الْمَوْلَى وَلَدْتِيهِ قبل التَّدْبِيرِ فَهُوَ رَقِيقٌ وَقَالَتْ هِيَ وَلَدْتُهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ فَهُوَ مُدَبَّرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى مع يَمِينِهِ على عِلْمِهِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُدَبَّرَةِ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَةَ تَدَّعِي سِرَايَةَ التَّدْبِيرِ إلَى الْوَلَدِ وَالْمَوْلَى يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مع الْيَمِينِ وَيَحْلِفُ على عِلْمِهِ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ لَيْسَتْ فِعْلَهُ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُدَبَّرَةِ لِأَنَّ فِيهِمَا إثْبَاتُ التَّدْبِيرِ وَلَوْ كان مَكَانَ التَّدْبِيرِ عِتْقٌ فقال الْمَوْلَى لِلْمُعْتَقَةِ وَلَدْتِيهِ قبل الْعِتْقِ وهو رَقِيقٌ وَقَالَتْ بَلْ وَلَدْتُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ وهو حُرٌّ يَحْكُمُ فيه الْحَالُ إنْ كان الْوَلَدُ في يَدِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَإِنْ كان في يَدِ الْمَوْلَى فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إذَا كان في يَدِهَا كان الظَّاهِرُ شَاهِدًا لها وإذا كان في يَدِهِ كان الظَّاهِرُ شَاهِدًا له بِخِلَافِ الْمُدَبَّرَةِ لِأَنَّهَا في يَدِ الْمَوْلَى فَكَذَا وَلَدُهَا فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا له على كل حَالٍ وكان الْقَوْلُ قَوْلَهُ. وَلَوْ قال لِأَمَةٍ لَا يَمْلِكُهَا إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتِ مُدَبَّرَةٌ وَإِنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ مُدَبَّرَةٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا ثُمَّ إشتراهما جميعا فَالْأُمُّ مُدَبَّرَةٌ وَالْوَلَدُ رَقِيقٌ لِأَنَّ الْأُمَّ إنَّمَا صَارَتْ مُدَبَّرَةً بِالشَّرْطِ ولم يُوجَدْ الشَّرْطُ في حَقِّ الْوَلَدِ وأنه مُنْفصل فَلَا يَسْرِي إلَيْهِ تَدْبِيرُ الْأُمِّ وَاَللَّهُ عز وجل أعلم. وَأَمَّا الذي يَرْجِعُ إلَى ما بَعْدَ مَوْتِ الْمُدَبِّرِ فَمِنْهَا عِتْقُ الْمُدَبَّرِ لِأَنَّ عِتْقَهُ كان مُعَلَّقًا بِمَوْتِ الْمَوْلَى وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ يَنْزِلُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَيَسْتَوِي فيه الْمُدَبَّرُ الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ لِأَنَّ عِتْقَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُعَلَّقٌ بِالشَّرْطِ إلَّا أَنَّ الشَّرْطَ في الْمُقَيَّدِ الْمَوْتُ الْمَوْصُوفُ بِصِفَةٍ فإذا وُجِدَ ذلك فَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ فَيَنْزِلُ الْمُعَلَّقُ وَسَوَاءٌ كان الْمَوْتُ حَقِيقَةً أو [أم] حُكْمًا بِالرِّدَّةِ بِأَنْ ارْتَدَّ الْمَوْلَى عن الْإِسْلَامِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ الرِّدَّةَ مع اللَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ تَجْرِي مَجْرَى الْمَوْتِ في زَوَالِ الْأَمْلَاكِ وَكَذَا الْمُسْتَأْمَنُ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا في دَار الْإِسْلَامِ فَدَبَّرَهُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَاسْتُرِقَّ الْحَرْبِيُّ عَتَقَ مُدَبَّرُهُ لِأَنَّ الِاسْتِرْقَاقَ أَوْجَبَ زَوَالَ مِلْكِهِ عن أَمْوَالِهِ حُكْمًا فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ وَكَذَا وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ الذي ليس من مَوْلَاهَا لِأَنَّهُ تَبِعَهَا في حَقِّ الْحُرِّيَّةِ فَكَذَا في حَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ وَيَسْتَوِي فيه الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ لِأَنَّ مَعْنَى التَّبَعِيَّةِ لَا يُوجِبُ الْفصل. وَمِنْهَا إن عِتْقَهُ يُحْسَبُ من ثُلُثِ مَالِ الْمَوْلَى وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَعَامَّةِ الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ وهو قَوْلُ سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ وَشُرَيْحٍ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ وروى عن عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ عِتْقَهُ من جَمِيعِ الْمَالِ وهو قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَحَمَّادٍ وَجَعَلُوهُ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَلَنَا ما رَوَيْنَا عن رسول اللَّهِ أَنَّهُ قال الْمُدَبَّرُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وهو حُرٌّ من الثُّلُثِ وَلِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ وَالْوَصِيَّةُ تُعْتَبَرُ من ثُلُثِ الْمَالِ كَسَائِرِ الْوَصَايَا وَسَوَاءٌ كان التَّدْبِيرُ في الْمَرَضِ أو في الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ في الْحَالَيْنِ وَسَوَاءٌ كان التَّدْبِيرُ مُطْلَقًا أو مُقَيَّدًا لِعُمُومِ الحديث إلَّا أَنَّهُ خَصَّ منه الْمُقَيَّدَ في حَقِّ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ فَيُعْمَلُ بِعُمُومِهِ في حَقِّ الِاعْتِبَارِ من الثُّلُثِ وَلِأَنَّ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ توجد [يوجد] في النَّوْعَيْنِ وَأَنَّهُ يَقْتَضِي اعْتِبَارَهُ من الثُّلُثِ وَيُعْتَبَرُ ثُلُثُ الْمَالِ يوم مَوْتِ الْمَوْلَى لِأَنَّ في الْوَصَايَا هَكَذَا يُعْتَبَرُ وإذا كان اعْتِبَارُ عِتْقِهِ من ثُلُثِ الْمَالِ فَإِنْ كان كُلُّهُ يَخْرُجُ من ثُلُثِ مَالِ الْمَوْلَى بِأَنْ كان له مَالٌ آخَرُ سِوَاهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ وَلَا سِعَايَةَ عليه وَإِنْ لم يَكُنْ له مَالٌ آخَرُ غَيْرُهُ عَتَقَ ثُلُثُهُ وَيَسْعَى في الثُّلُثَيْنِ لِلْوَرَثَةِ هذا إذَا لم يَكُنْ على الْمَوْلَى دَيْنٌ فَإِنْ كان عليه دَيْنٌ يَسْعَى في جَمِيعِ قِيمَتِهِ في قَضَاءِ دُيُونِ الْمَوْلَى لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ على الْوَصِيَّةِ. وَمِنْهَا أَنَّ وَلَاءَ الْمُدَبَّرِ لِلْمُدَبِّرِ لِأَنَّهُ الْمُعْتِقُ وقد قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَلَا يَنْتَقِلُ هذا الْوَلَاءُ عن الْمُدَبَّرِ وَإِنْ عَتَقَ الْمُدَبَّرُ من جِهَةِ غَيْرِهِ كَمُدَبَّرَةٍ بين اثْنَيْنِ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا ثَبَتَ نَسَبُهُ منه وَعَتَقَ عليه وَغَرِمَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ من الْوَلَدِ وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ ثَابِتٌ في الْحَالِ عِنْدَنَا وَأَنَّهُ يَثْبُتُ حَقُّ الْوَلَاءِ وهو لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَكَذَا الْمُدَبَّرُ بين شَرِيكَيْنِ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا وهو مُوسِرٌ فَضَمِنَ عَتَقَ بِالضَّمَانِ ولم يَتَغَيَّرْ الْوَلَاءُ عن الشَّرِكَةِ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَعَلَى قَوْلِ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إذَا أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ عَتَقَ جَمِيعُهُ وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا.
وَأَمَّا بَيَانُ ما يَظْهَرُ بِهِ التَّدْبِيرُ فَالتَّدْبِيرُ يَظْهَرُ بِمَا يَظْهَرُ بِهِ الْإِعْتَاقُ الْبَاتُّ وهو الْإِقْرَارُ وَالْبَيِّنَةُ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ في الْحَالِ فَيُعْتَبَرُ الْحَقُّ بِالْحَقِيقَةِ وهو إثْبَاتُ حَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ بِالْإِثْبَاتِ بِالْحَالِ وَذَا يَظْهَرُ بِأَحَدِ هَذَيْنِ فَكَذَا هذا إذْ عُرِفَ هذا فَنَقُولُ إذَا ادَّعَى الْمَمْلُوكُ التَّدْبِيرَ وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ لم يَدَّعِ وَأَنْكَرَ التَّدْبِيرَ مع الْمَوْلَى لَا يقبل [تقبل] الْبَيِّنَةُ على التَّدْبِيرِ من غَيْرِ دَعْوَى الْعَبْدِ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُقْبَلُ وَالْحِجَجُ على نَحْوِ ما ذَكَرْنَا في الْإِعْتَاقِ الْبَاتِّ إلَّا أَنَّ الشَّهَادَةَ على عِتْقِ الْأَمَةِ تُقْبَلُ من غَيْرِ دَعْوَاهُ بِالْإِجْمَاعِ وَالشَّهَادَةُ على تَدْبِيرِ الْأَمَةِ على الِاخْتِلَافِ لِأَنَّ تَدْبِيرَ الْأَمَةِ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ فلم تَكُنْ الشَّهَادَةُ قَائِمَةً على حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ دَبَّرَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ في الصِّحَّة فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ مَجْهُولٌ وَعِنْدَهُمَا يُقْبَلُ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ ذلك كان في الْمَرَضِ يُقْبَلُ عِنْدَهُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُقْبَلَ وقد ذَكَرْنَا وَجْهَ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ في كتاب الْعَتَاقِ وَلَوْ شهدا [شهد] أَنَّهُ قال هذا حُرٌّ وَهَذَا مُدَبَّرٌ بَعْدَ مَوْتِي فَقَدْ صَارَ مُدَبَّرًا لم تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ لِجَهَالَةِ الْمُدَّعِي وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ قال هذا حُرٌّ بَعْد مَوْتِي لَا بَلْ هذا كَانَا جميعا مُدَبَّرَيْنِ وَيُعْتَقَانِ بَعْدَ مَوْتِهِ من ثُلُثِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا قال هذا حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَقَدْ صَارَ مُدَبَّرًا فلما قال لَا بَلْ هذا فَقَدْ رَجَعَ عن الْأَوَّلِ وَتَدَارَكَ بِالثَّانِي وَرُجُوعُهُ لَا يَصِحُّ وَتَدَارُكُهُ صَحِيحٌ كما إذَا قال لِإِحْدَى امْرَأَتَيْهِ هذه طَالِقٌ لَا بَلْ هذه وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ قال هذا حُرٌّ أَلْبَتَّةَ لَا بَلْ هذا مُدَبَّرٌ جَازَتْ الشَّهَادَةُ لَهُمَا لِأَنَّهُ أَعْتَقَ الْأَوَّلَ ثُمَّ رَجَعَ وَتَدَارَكَ بِالثَّانِي فَالرُّجُوعُ لَا يَصِحُّ وَيَصِحُّ التَّدَارُكُ فَصَارَ الْأَوَّلُ حُرًّا وَالثَّانِي مُدَبَّرًا. وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ دَبَّرَهُ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ أَلْبَتَّةَ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَهِدَ بِغَيْرِ ما شَهِدَ بِهِ الْآخَرُ لَفْظًا وَمَعْنًى أَمَّا اللَّفْظُ فَلَا شَكَّ فيه وَأَمَّا الْمَعْنَى فَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ الْبَاتَّ إثْبَاتُ الْعِتْقِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى وَهُمَا مُتَغَايِرَانِ وَلَيْسَ على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا شَاهِدٌ وَاحِدٌ وَكَذَلِكَ لو شَهِدَا بِالتَّدْبِيرِ وَاخْتَلَفَا في شَرْطِهِ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا على شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كما في الْإِعْتَاقِ الْبَاتِّ وَاَللَّهُ عز وجل أعلم. وهو الْمُوَفِّقُ.
|