الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: ثلاثون طريقة لخدمة الدين **
إن الإسلام دين عالمي ، جاء للناس كافة ، وأنزله الله تبارك وتعالى مهيمنا على الدين كله ، وناسخا لكل شريعة سابقة ، ومبطلا لكل مذهب فلسفي أو قانون أرضي أو اتجاه فكري ، قال الله تبارك وتعالى : ومن قول الله تعالى : إنه دين كل الناس ، ويجب أن يسمع به كل الناس وأن يتعرف عليه كل الناس . ونحن لا يمكن أن ندعي أن دعاة اليوم على صعيد الدول والحكومات أو الحركات الإسلامية والهيئات العالمية العملاقة أو الأفراد لهم نظرة إعلامية واضحة لدينهم الذي يدعون إليه . وقد يسارع البعض قائلا : لا ضرورة لتعقيد الأمور ، فإن دعوة الله ستسري سريان النار في الهشيم ، وهذا وعد الله الأكيد . وليس لنا أن ندخل في جدال حول أن دين الله منتصر لا محالة ، فإن إيراد الاعتراض على هذا النحو إلزام بما لا يلزم ، ومغالطة في مقدمات النتيجة . والذي يجب أن نعترف به جميعا أن نصر الله لا يؤتاه كسول أو خذول أو مرجف ، ولن يصل الدين إلى الناس بينما حملته نيام . ولن يعلو صوته إذا كان أصحابه قد صاموا عن الكلام . وفي ظل الواقع السياسي والاقتصادي المعاصر لا يمكن أن نسمح بالمثالية الكاذبة أن تحرك اتجاه التفكير وطريقة التدبير . فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن مثاليا يوم هاجر من مكة إلى المدينة فاتخذ الصاحب والراحلة والزاد والخريت ، ولم يكن مثاليا يوم حارب حروبه مع الكفار وأعد العدة والعتاد وحشد الجنود وجهزهم بجهازهم . إنه واقع شرس دام ، استعملت فيه كل الوسائل – المشروع منها وغير المشروع – لتدمير هذا الدين والقضاء عليه ، ويجب أن نتعامل مع هذا الواقع بشراسة أيضا كما قال تبارك وتعالى : وعلى الصعيد الإعلامي فإننا لو ذهبنا نحصي ما يستخدمه أعداء الله من آلة إعلامية في إضلال الكون ، وما سخره الشيطان لهم من أسلحة شهوانية فتاكة لطال بنا الحديث . لكنني سأتعرض لتحد واحد ماثل أمام عين كل ذي عين ، ولا يمكن أن ينكره إلا عنيد ، وعلى ضوء هذا التحدي نتعرض للجهد الإعلامي الدعوي . إننا نشاهد في قلق واجف ذلك الزحف الفضائي التلفازي الذي اقتحم كل بيت عبر القنوات الفضائية المشفرة وغير المشفرة ، وعبر شبكات الإنترنت التي تعرض كل شي ، ومثل هذه الوسائل قد دخلت بيوت المسلمين بالفعل ، شئنا أم أبينا فإنه واقع يجب أن نعترف بأنه يمثل تحديا خطيرا للدعوة لم تمر به عبر قرون متطاولة . والأخطر من ذلك أن من القائمين على هذا الزحف الإعلامي الفاجر جهات تنتسب إلى الإسلام وتتكلم باسمه . وفي ظلال هذه الصورة الواضحة لكل عيان يمكننا أن نتصور ( مجرد تصور ) حجم المجهود الإعلامي الذي يجب أن يقوم به الدعاة لرقع هذا الفتق . إن الهوة ليست بالسحيقة ، فما زال في الزمان متسع إذا تضافرت الهمم ، وتعاون الأفراد مع الجماعات العاملة للدين في تدارك هذا المشكل . ونحن نبني تصورنا لمقاومة هذا التحدي عبر اتجاهين : الاتجاه الأول : اتجاه الهدم ، أعني هدم هذا الركام الإعلامي في قلوب المسلمين ، وتدمير ذلك التعلق الماثل في انجذاب المجتمع أفرادا وجماعات إلى هذه الوسيلة الإعلامية الغازية . ويتحقق هذا الاتجاه بمثل الطرق الآتية : (1) نشر فتاوى العلماء التي تحرم اقتناء التلفاز أو أجهزة الاستقبال لغرض غير شرعي ، والجهر بهذه الفتاوى في خطب الجمعة والمحاضرات والدروس وعبر الأشرطة الصوتية وغير ذلك من وسائل . (2) مراسلة الشركات التي تقوم باستيراد أو تصنيع أو بيع هذه الأجهزة ومناصحتها بترك هذا الجانب التجاري بتوضيح أثره الهدام في المجتمع ، من باب : (3) مراسلة أفراد المجتمع بهذا الصدد وتحذيرهم من آثار هذا الغزو الإعلامي على البيوت في انتشار المخدرات والانحلال الخلقي ، وذلك بضرب الأمثلة من واقع المجتمع الغربي نفسه . (4) مناصحة ولاة الأمور حول هذا القضية وحثهم على منع بيع وشراء مثل هذه الأجهزة المفسدة . (5) القيام بجهد مضاعف مع الشباب والناشئة في تحذيرهم من خطر هذا الدور الإعلامي على الأمة عامة وعلى شبابها خاصة . الاتجاه الثاني : اتجاه البناء . ويتضمن إيجاد البدائل وتحقيق السبل الكفيلة بملأ فراغ الأوقات لدى الناس ، وتقوية الشعور الإيماني ، وتكوين الموقف الشرعي لدى قلوب الناس ضد الغزو الإعلامي الفاجر ، وهو ما يمكن أن نسميه : المناعة الإيمانية . ويمكن أن نجمل طرق هذا الاتجاه فيما يلي : (1) حث الحكومات الإسلامية والهيئات العالمية على تبني مشروع قناة فضائية إسلامية عالمية مهمتها أداء الدور الإعلامي الإسلامي وصرف الناس عن الغزو الإعلامي المدمر الذي يجتاح بيوت المسلمين . وإن تعسر هذا المسلك فلا أقل من أن تتداعى همم الغيورين من أصحاب الثروات على تكوين شركة تجارية لتأسيس قناة فضائية إسلامية كما فعل المستثمرون الآخرون عندما أسسوا شركات تجارية تملك قنوات ترفيهية . (2) تشجيع بعض الشركات – ذات الاتجاه الإسلامي – الناشئة على إنتاج برامج مطابقة للمواصفات الشرعية ، بحيث تحوي عنصر الجذب والإثارة في نفس الوقت . (3) تثقيف المجتمع المسلم وتوجيهه في كيفية قضاء أوقات الفراغ ، وذلك عبر نشر الكتب التي تبين أهمية الوقت ، وتشرح قضايا الإسلام والمسلمين ، وضرورة تكاتف القوى في مواجهة الكيد العالمي ضد الإسلام والمسلمين ، واستلزام ذلك أن تستغل كل الأوقات فيما ينفع ويفيد وعدم إضاعتها في اللهو والعبث . ولا شك أن هذه الطريقة تحتاج إلحاحا ، وتركيزا على شريحة الشباب الذي هم أكثر الشرائح عرضة للحيرة في كيفية قضاء أوقات الفراغ . كما يستلزم على الدعاة القيام بدور اجتماعي في الأحياء بتنظيم الدورات الرياضية والمناسبات الثقافية والدعوية لمحاولة إيجاد البديل النافع للشباب ، لئلا يجدوا الفرصة للانزلاق مع قرناء السوء بقضاء أوقات الفراغ معهم . (4) توجيه خطاب دعوي مباشر إلى الآباء والأمهات لحثهم على القيام بدور توجيهي فاعل مع الأبناء لمساعدتهم في قضاء أوقات فراغهم – وخاصة في الإجازات الصيفية – فإن هذا من شأنه أن يكون حصارا تربويا على النشأ ، ولا يترك فرصة لعناصر الفساد أن تتسلل إلى محيطهم لتنشج شباك صيدها حولهم . (5) أن تقوم الدعوة بدور توجيهي مباشر في المدارس ومحافل العلم كالجامعات والمعاهد المختلفة ، من خلال المدرسين المنتمين إلى الصحوة ، أو بطريق غير مباشر عبر مناصحة المسؤولين بضرورة القيام بدور تربوي فاعل لإنقاذ النشأ من الغزو الإعلامي المدمر الذي يجتاح بيوت المسلمين ، والذي لن تخطئه عينٌ مراقبة . والحق أيها القارئ الكريم أنني أكتب هذه الكلمات وأقترح هذه المقترحات ولست على يقين من تطبيقها على المدى القريب ، ولكن يقيني بضرورة بذل أي جهد بعد يقيني بخطورة الوضع الراهن أَمْلَى علي أن أكون بعيد المدى في تصور الحلول ، والذي نتصوره مستحيلا ليس مستحيلا لذاته ، بل لعارض طارئ ينبغي إزالته . وأما على صعيد المجهود الفردي فإن الحصن الإيماني الذي يقيمه كل راعٍ على أهل بيته كفيل أن يقيهم شرور هذا الزحف الإعلامي ، ولعلك ستعجب أيها القارئ أيما عجب إذا علمت أن هناك مدارس أجنبية تشترط على أولياء الأمور أن يمنعوا أولادهم من مشاهدة التلفاز ، وإلا فإن إدارة المدرسة ستكون غير مسئولة عن نتيجة مستواه التعليمي والتربوي . والعجيب أيضا أن دراسة قديمة صدرت في الثمانينيات من هيئة اليونسكو تثبت أن مشاهدة الأطفال برامج التلفزيون تورث تخلفا عقليا بنسبة 5% كل عام ، وأنا لا أشك أن البلادة التي تعانيها أمتنا أول أسبابها ذلك الركام الإعلامي الذي مسخ العقول ، وشوه الفطر ، وقلب الحقائق ، وأنسى الناس ربهم والدار الآخرة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
إن المتابع للنشاط العلمي والثقافي الذي يموج في بلاد المسلمين ليدرك مدى الخلل الذي يعتور عقلية المسلمين ، والهزال المعرفي الذي أصاب ذاكرتهم الثقافية . وتأخر البلاد الإسلامية في حجم الكتب المؤلفة مقارنة بالدول الأخرى أمر أثبتته الإحصاءات الرسمية بما لا يدع مجالا للشك أن المسلمين يعانون ضمورا في المعرفة والثقافة لا يقل عن ضمور إرادتهم في الصلاح والإصلاح . إن حجم المطبوعات في دولة مثل المجر التي لا يتجاوز سكانها بضعة ملايين – في سنة واحدة – يفوق حجم المطبوعات في الدول العربية مجتمعة حيث يبلغ سكان الأخيرة أكثر من مائتي مليون نسمة . وعدد العناوين التي يتم التأليف حولها في البلاد الأوروبية مثلا – حيث يبلغ عدد السكان قرابة الخمسمائة مليون نسمة - يتجاوز عشرات المرات ما يتم التأليف حوله في البلاد الإسلامية مجتمعة حيث يبلغ سكان الأخيرة ألفا ومائتي مليون نسمة . ولست من المنبهرين بمثل هذه الإحصاءات أو من يعول عليها في التقويم بصورة مطلقة ، فنظامنا المعرفي الإسلامي يختلف عن منطلقات القوم في التقويم والإحصاء ، ورؤانا في اعتبار المفيد وغير المفيد تتباين كل التباين عما يراه القوم ويعتبرونه . ولكن الذي لا شك فيه أن حركة التأليف المستعرة في الدول الغربية لدليل على رواج سوق المعرفة – مطلق المعرفة – وأن الناس عطاش للثقافة والعلم بالدرجة التي لا نجدها في بلادنا الإسلامية . ولا شك أن هذا النهم في المعرفة نتاج طبعي لأساليب التربية والتعليم والتثقيف التي تمارس في دور العلم عندهم – وليس هذا هو محل البحث – ولكن الذي نريد أن نقرره أن سوق المعرفة عند أولئك الأقوام تتميز بحالة تشبع موضوعي عال ، فلا يوجد أمر أو قضية إلا وفيها مصنف أو اثنين على الأقـل ، فهذا هو المقصود من السبر . كما أن لديهم تقنية عالية المستوى في الاستفادة من هذه العناوين المتكاثرة ، وآلية سهلة لتيسير تداول تلك المصنفات وتقريبها من راغبيها . فالمكتبات مجهزة بأحدث الأجهزة لتسهيل الوصول إلى الكتاب أو الكتب محل الاهتمام ، وأنظمة الفهرسة الموضوعية باتت فنا يتخصص له أمناء المكتبات لمساعدة شداة المعرفة في التجوال عبر عالم الكتب . كما أن صفحات الإنترنت قد وفرت في هذه الآونة خدمات عالية التقنية لوصول أي كتاب إلى أي مكان في العالم . ونحن كدعاة حريصون على وصول كلمة الحق إلى الناس واستغلال التأليف كوسيلة لخدمة الدين : يجب أن نستوعب كل هذه التطورات أو بعضها لنبلغ في البذل شأوا معتبرا . كما أن تأليف الكتب النافعة لم يعد أمرا متروكا للكاتب والمؤلف ليقرر هو ما الذي ينفع أو لا ينفع . فالأكاديميات العلمية والهيئات التعليمية والدوائر ذات الاهتمام بالشأن المعلوماتي وحتى الشركات التجارية ودور النشر العملاقة صارت تستكب المؤلفين ، وتؤاجرهم على التأليف ، فتحدد عنوان الكتاب وموضوعاته وعدد صفحاته ومدة التأليف . ولعل كثير من الدعاة المخلصين يستهجن هذه الطريقة في التعامل مع العلم والعلماء ، وهذا ولا ريب صحيح وجيه ، ولكننا نسوق هذه الأمثلة للاعتبار فقط ، ولنذهب بالتأمل مدىً يساعدنا على الوصول إلى أفضل السبل لتقنين هذا السيل الجارف من المؤلفات الغثة ، والكتب العقيمة ، والمجلدات الهشة ( أي الضخمة في الحجم القليلة في النفع ) . إن مجال التأليف قد يكون أسلوبا نقود به المجتمعات ، ومسلكا نوجه به تحركات الشعوب ، ويمكننا أن نستدل على ذلك بمذكرات الشيوعيين التي أحدث هزة في الفكر السياسي والاقتصادي الغربي على مدى قرنين من الزمان حتى تمخض عن تحركاتهم قيام دولة عظمى هيمنت على القرار الدولي ردحا من الزمان . وعلى صعيد صحوتنا المباركة وجدت بعض المؤلفات المباركة التي كتب الله لها القبول في الأرض ، وهدى الله بها من الخلائق ما لا يحصيهم إلا هو ، ومثاله الناصع كتاب : ففروا إلى الله للداعية الرباني الشيخ أبي ذر القلموني الذي فاقت طبعاته المائة على أقل تقدير غير ما يطبع بدون إذن المؤلف بقصد الاتجار والتربح . وكذلك كتاب ( عودة الحجاب ) للشيخ العلامة محمد إسماعيل ، والذي طبعت منه أكثر من عشر طبعات في سنوات قلائل ، وكان لهذه الكتاب بأجزائه الثلاثة أثره الفاتح على كثير من الأسر ، وبخاصة على شريحة النساء المتبرجات ، فقد أحيا الله به الحجاب الشرعي ، وأقام به صرحا من صروح العفة والطهر . والملاحظ أن الذي يملك زمام المبادرة الإصلاحية في هذا الشأن طرفان مهمان : المؤلف والناشر ، فهما المحوران الأساسان في عملية صنع الكتاب ووصوله إلى القراء . والصحوة الإسلامية بحمد الله تضم بين المنتمين إليها عدد لا بأس به من المؤلفين والناشرين الذي صار لهم دور دولي في نشر الكتاب الإسلامي ، ولا شك أن هؤلاء يستطيعون أن يتضامنوا لتقنين عملية التأليف والنشر حتى يكون للكتاب الإسلامي دوره الفاعل في إصلاح المجتمعات . ولا يمكن أن ننكر أن هناك فريقا من المؤلفين والناشرين قد اتخذوا من الكتاب الإسلامي حرفة وتجارة للتكسب ، ولو كان ذلك على حساب المضمون والنفع العائد على القراء . وصرنا نرى وجوها من الحيل في طبع الكتب تنم عن جشع غير مسبوق ورغبة في الحصول على المال بأقصر الطرق . فبعض المؤلفين لا يتورع عن تحضير بعض الملازم ليدبج على طرة الكتاب عنوانا عرمرما يذكرك ببيت الحجاج : أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني وإذا ما تصفحت الكتاب ( وما هو بكتاب ) ألفيت الموضوع بحثا في ورقة واحدة ولكنها مفرقة على صفحات معدودات وفي كل صفحة حاشية واسعة المفاوز من تراجم لا فائدة منها أو نقول لا علاقة لها بالموضوع أو تعليقات ساذجة تنم عن ضحالة في العلم والتخصص . وآخر يعمد إلى مخطوطة ( أي مخطوطة ) ويوسعها تعليقا وتخريجا وتحقيقا وتعقيبا ، فإذا ما تبينت اسم المخطوط علمت أنه مُؤَلَّف مُطَّرَح عند أهل الفن يغني عنه ما هو أجدر بتحقيقه وإخراجه للناس ، أما إذا تفحصت التحقيق ألفيت العجب العجاب ، فما أسهل أن يسوّد مثلُ أولئك حواشيَ تحقيقاتِهم بأمثال : كذا في الشامية والصواب كذا ، كذا في النسخة التركية وأظن أن كذا أصح ، وليس كل ذلك إلا تبعية حمقاء لمنهج المستشرقين في التخريج والتحقيق تبين للأفذاذ خطؤه وعواره ، وقد نبه العلامة المحقق الشيخ أحمد شاكر إلى هذه المسألة وبين أن التحقيق الصحيح النافع بعيد كل البعد عن هذه الفذلكة الأوربية والتي يسميها الأكاديميون : أصول التحقيق والتدقيق ، والواقع أنه من التشقيق الذي لا طائل تحته ولا نفع من جرائه . أما أحابيل الناشرين – الجشعين منهم – في التغرير بالقراء وخداعهم فحدث عن ذلك ولا حرج ، فبعضهم يعمد إلى كتاب ضخم مشهور ويقطعه إربا إربا ، ويطبع كل باب في كتاب مستقل بعنوان مستقل حتى يظن الظان بادي الرأي أن المؤلف – وهو مشهور بالضرورة – صدر له كتاب جديد ، فيبادر القارئ المسكين لشراء الكتاب فإذا قرأه اكتشف عملية الخداع والتزوير . وناشر آخر كالأسد الضاري ، يفترس كل من أمامه ويفرق أشلاءه شذر مذر ، يعمد إلى أي كتاب مشتهر بين الناس فيعيد طبعه في سرعة جنونية ليحصل على قصب السبق في سوق الكتاب ، وينافس الآخرين بأسعار مُحْبِطَة ، ولكنك ما أن تتصفح الكتاب حتى تتذكر المثل السائر : اِخْبَرْ تَقْلَهْ . أي اعرف الأمر جيدا عندها ستهجر ما عرفته وتترك ما خبرته . ولست مستمتعا والله بسرد هذه الأقاصيص ، فإنها لا بد أن تمثّل هَمَّاً يجأر منه الغيورون على دين الله تبارك وتعالى . ولذلك نحن ندعو ذانكم الطرفين ( المؤلف والناشر ) إلى ميثاق شرف يتواطآن عليه ويلتزمان به ويمضيان على سبيله ، وندعو القراء كذلك إلى التكاتف لمحاربة الثلة المنحرفة التي تتخذ من التأليف والطبع حرفة للكسب السريع فحسب . ندعو المؤلف إلى احترام الذات ، واحترام عقول القراء ، ومن قبل ذلك وبعده إلى مراقبة الله تبارك وتعالى فيما يكتب ، وندعوه إلى اختيار الموضوع على أساس موضوعي يعتمد على : - أهمية الموضوع . - احتياج الناس إليه . - خلو المكتبة من كتاب يعالج ذلك الموضوع . كما ينبغي أن يحسن التأليف والعرض وذلك عن طريق : - دراسة الشريحة التي يؤلف لها ، وما هو الأصلح لمستواها . - ينتقي المادة العلمية التي يحتاجها الموضوع بعيدا عن الحشو . - يحسن تناول القضية بالتركيز على النقاط المهمة والتأكيد عليها وبيانها . - أن ينسق المعلومة عن طريق ترتيبها في عناصر يسهل حفظها واستحضارها . أما الناشر فندعوه إلى ثلاثة أمور مهمة يجب أن يوجد لها المعادلة التي تحققها : - طبع الكتاب بصورة مقبوله ( ولا نقول ممتازة ) ، بمعنى أن يختار لها ورقا مناسبا وأحبارا جيدة ، ولا يشترط أن يكون الطبع على مستوى راق جدا ، والمنصوح به أن تطبع طبعتان : طبعة شعبية ( بأعداد كثيرة لأن غالبية القراء من ذوي الدخل المحدود ) وطبعة فاخرة لمن أراد اقتناء الكتاب الفاخر . - الاهتمام بمعالجة الأخطاء المطبعية ، وذلك عن طريق صف الكتاب بالحاسب الآلي الذي توجد به إمكانيات عالية لعلاج الأخطاء ، أو بتدارك تلك الأخطاء عبر المراجعة وتكرار تجارب الطبع ، أو بإلحاق صحيفة تتضمن الأخطاء المطبعية وأماكن وجودها . وقد صارت كثير من المطابع لا يوثق بطبعاتها بسبب فضائحها في هذا الباب . - الاهتمام بسعر الكتاب ، وتسويقه ، والسعر له دور كبير في سرعة تسويق الكتاب ، وبعض الناشرين – للأسف – قد يعمد إلى إماتة الكتاب عن طريق رفع سعره لأنه واثق من تسويقه باحتكاره للكتاب واحتياج الناس له ، ولكنه سرعان ما يكتشف أن جشعه هذا له نماذج شبيهة ، فيبتليه الله بناشر آخر يطبع الكتاب ( أو يسرقه باصطلاح الناشرين ) ويبيعه بسعر زهيد منافس ، مما ينتج عنه نفوق كتابه وإعراض الناس عن طبعته . أما على صعيد الفرد العادي فإن له دورا أيضا في استغلال هذه الوسيلة في خدمة الدين ، فالواقع يشهد أن الذي - يجعل للكتاب قيمة فيشتهر المؤلف ويكسب الناشر – إنما هو القارئ الذي هو أنا وأنت وكل فرد مخلص وغيور في الصحوة المباركة ، وما رزقناه الله من عقل وعلم وبصيرة وروية يجبرنا أن نهجر الردئ ونلفظه ، وأن نشجع الجيد ونتبنى نشره بين الناس . وبناء على ما سبق فأنا أدعو الناشئة والمربين على نهج سواء أن يتناصحوا بينهم فيما يقتنونه من الكتب ، أويستعملونه في دعوتهم ، وليسألوا أهل الدراية والعلم والخبرة والتجربة في الكتب النافعة الجديرة بالاقتناء ، وليعملوا بنصائحهم في هجر الكتب أو الكتيبات التجارية التي لا تمت لعاطفة الإسلام بصلة فضلا عن أن تنخرط في حمل أمانة الدين فيما سطر بين ثناياها .
إن الذي يطالع أساليب الدعوة منذ قرن من الزمان سيدرك بسهولة مقدار الفرق بين عصرنا وعصر من قبلنا ، بل سيدرك بجلاء أن كل عصر له أسلوبه وتقنيته في التعامل مع الحياة . والمتأمل لنصوص الشريعة الغراء يلاحظ بوضوح أنها لم تتعرض للوسائل كثيرا بقدر تعرضها للمقاصد ، وذلك لأن هذا الدين قد قدر الله أن يكون خاتم الأديان ، والمهيمن على غيره من الملل ، وأن يكون أهله هم قادة البشر إلى يوم الدين . فناسب ألا تأخذ المقاصد قوالب معينة ، أو تتحدد الأوامر والنواهي في نماذج جامدة لا يجوز الحيدة عنها ، ونعني بذلك ما لم يأت في تحديده نص أو في تعيينه أثر . ولسنا من ذلك الفريق الذي يتخذ من هذه الملحظ تُكَأَةً ليُغير على النصوص يروم تبديلها بزعم العصرنة والتطور ، وعدم الجمود والتحجر . وقد بينا في ( ابتكار الوسائل الدعوية ) ضوابط الابتكار في الوسائل بما يقطع مآرب المنافقين وغايات الهدّامين . وقد شهد عصرنا فتوحات كبيرة في الجانب الدعوي تمثل في اتساع مساحة الميدان الدعـوي ، وتعاظم عدد المدعوين لكثرة الوسائل الدعوية التي تخاطب الناس . وكان من جملة الوسائل التي استفحل خطرها وعظم أثرها في الناس : ( المرئيات والمسموعات والمطبوعات ) وأعني بذلك أشرطة العرض المرئي ( الفيديو ) والأشرطة الصوتية ( الكاسيتات ) والكتب والصحف والمجلات والمنشورات المختلفة . إن هذه الوسائل الكافة تعتبر عنصر بناء أو عنصر هدم ، والغالب في دنيا الناس أنها لا تستعمل إلا في هدم الدين وتقويض أركانه ومحاربة المتمسكين به والمعتصمين بأهدابه . وغدت هذه الوسائل سلاحا يشهر في وجه الدعوة الإسلامية في كل مكان وحصنا منيعا يحول بين الناس وبين وصول صوت الحق إليهم ، حتى عرف الناس جميعا أن الإعلام المتمثل في صناعة السينما والصحافة ( هذان بشكل خاص ) أصبحا ملك الأصابع الصهيونية الخفية التي صاغت بروتوكولات حكماء صهيون ، ولم يعد خفيا أن تلك الأصابع هي التي تصوغ الرأي العام العالمي ، وهي التي تقرر ما يجوز نشره وما لا يجوز ، وما يستحق الاهتمام وما يستحق الإهمال . والصحوة الإسلامية في مقابل هذا التحدي لا بد أن تحدث انقلابا على هذا الاحتكار الإعلامي في المرئيات والمسموعات والمطبوعات ، وفي إطار الشرعية التي تحكم كل تصرفاتنا في هذه الدنيا ، وهي شرعية الكتاب والسنة والمثل والأخلاق الإسلامية التي نلتزم بها في السلم والحرب . وقبل أن يتمادى التفكير بك أيها القارئ ، فأنا لا أدعو إلى إقامة سينما أو مسارح أو أشرطة غنائية إسلامية ( كما ينادي البعض ممن انحرف فهمهم لمقصود الخطاب الدعوي القرآني بل لمقصود الوجود الإنساني على هذه الأرض ) بل في وضوح وجلاء : أنا أدعو إلى استعمال كل التقنيات الممكنة والمتاحة من تلك الآلة الإعلامية وتسخيرها للخطاب الدعوي ، وبذل كل وسع ممكن في ملاحقة المستجدات الإعلامية التقنية وإمداد الكتائب الدعوية بها . إن أشرطة الفيديو يجب أن تستغل في الحركة الدعوية ، وأشرطة الكاسيت ( ومثلها الأقراص المرنة – سي دي - ) يجب أن نؤصل طريقة الاستفادة منها ، والصحف والكتب المطبوعة كذلك . ونحن أمام هذه الوسائل ما بين بادئين لها أو لم نخط فيها خطوات جادة ، مثل أشرطة الفيديـو ، أو مجربين ولكن ينقصنا التصور الاستراتيجي لاستخدام تلك الوسيلة مثل الصحف والمجلات وأشرطة الكاسيت . في مجال أِشرطة الفيديو أرى أن الدعوة لا يجوز أن تستأخر أي وقت في استغلال هذه الطريقة ، فالذي لا مراء فيه أن كل البيوت تملك جهاز العرض – الفيديو – حتى الكثير من البيوت الفقيرة ، ولا أدل على ذلك من انتشار نوادي الفيديو ومحلات تأجير وبيع أشرطة الفيديو في الأحياء الفقيرة والشعبية ، بما يعطي انطباعا مباشرا أن الناس كافة صاروا يتعاملون مع هذا الجهاز . والذي لا مراء فيه أيضا أن الناس لديهم استعداد لمشاهدة أي شريط إذا تضمن جانبا يثير فضولهم واهتمامهم ، نعم .. يهتم الغالب بأفلام الإثارة بأنواعها كالعنف والجنس ونحو ذلك ، ولكن الجميع مستعد للتجاوب مع أية مادة يرى أنها تجذب اهتمامه . والدليل على صحة دعواي أن كثيرا من القطاعات استجابت لأشرطة المناظرة بين الداعية الإسلامية الشهير الأستاذ أحمد ديدات – رحمه الله – وبين القسيسين والمنصرين ، وكان لهذه الأشرطة صدى عالميا أقلق جنوب أولياء الكفر والشرك ، وهز عروشهم من الأساس ، وذلك لأن العامة والسذج والبسطاء صاروا يهتمون بهذه القضية بحكم حماستهم الفطرية وتعصبهم الجبلي لدينهم ، فكأن هذه الأشرطة قد أيقظت في الناس شعورهم الديني وحركت انتماءاتهم الفكرية . كما أن أقراص – سي دي – التي تتضمن دروس مرئية لبعض الدعاة والعلماء لاقت قبولا فائقا من قطاع المتدينين وذوي الشعور الإسلامي العالي . والمطلوب أن يتبنى إنتاج شرائط الفيديو جهات دعوية ( حتى لو كانت تجارية ) تسوق لأشرطة الفيديو التي تعرض أنشطة الدعوة المختلفة مثل المحاضرات الدينية أو الأشرطة الموضوعية التي تعالج شأنا شرعيا كتربية الأولاد أو تطرح الرؤية التي تتبناها الحركة الإسلامية لجوانب سياسية أو اقتصادية معينة ، أو أشرطة تتضمن أخبرا العالم الإسلامي وعرض أحوال المسلمين ونكباتهم ، على نحو ما حاولته بعض هيئات الإغاثة الإسلامية حينما سوقت لشريط يشرح مأساة المسلمين في البوسنـة ، ولا شك أن هناك مجهودات أخرى وكثيرة ولكنها تفقد عنصرين مهمين : الإتقان في الإخراج وحسن التسويق . أما جانب الإخراج التصويري فليس لي فيه ناقة ولا جمل ، ولكن المتيقن أن الأمر لو احتاج تكليف شركات متخصصة لتصنيع مادة الشريط فليس في ذلك من بأس ، وقد وجدت شركات ذات اتجاه إسلامي تتبنى مثل هذه المشروعات وهي جديرة بالتأييد والإعانة . أما الذي يجب أن ألفت الأنظار إليه ، فهو الجانب التسويقي ، حيث تتقاصر همم الدعاة والقائمين بالشأن الدعوي عموما عن الترويج للمنتج الدعوي ( إن جاز التعبير ) ، مع أن فرصة توزيعه على نطاق واسع ليست مستحيلة ، بل إننا نرى كيف تتمكن المصانع والشركات التجارية من تسويق المنتج الرديء عن طريق آليات تسويقية معروفة مبنية على التعريف بالمنتج ( الإعلانات ) وتسهيل وصوله للمستهلك ( المحلات – باختلاف درجاتها – ومندوبي المبيعات ) ، وقد توسعت أساليب التسويق في العصر الحاضر ، حيث أصبح بإمكان المستهلك أن يشتري السلعة عبر الهاتف بعد مشاهدة مواصفات السلعة في التلفاز ، مع ضمان أن يأتي إليه المنتج في بيته ، وتدخلت خدمات الإنترنت في تسويق السلع حيث يقوم المشترك في الشبكة بشراء كل احتياجاته عبر معاينته لأوصاف السلعة من خلال الشبكة واختياره لما يناسبه ثم استخدام البطاقات الائتمانية في سداد المصروفات . أما الأشرطة الصوتية ( الكاسيتات ) فأنا أنقل لك كلاما بديعا قديما للأستاذ الراشد حفظه الله ، كتبه منذ أكثر من عشر سنين ، وكان ما سطره مجرد أحلام وأمنيات كما عبر هو ، ولكن في هذه الآونة قد تحقق كثير من أحلامه تلك ، مما ينبئ أن كثيرا من الطموحات الواقعية قابلة للتحقيق إذا اتخذت لها الأسباب الموصلة . يقول حفظه الله : ومنها ( من نداءات الدعوة ) استثمار منظم لأشرطة الكاسيت ، فإنها اليوم تنتشر بلا تخطيطات مركزية ينبغي أن تكون في كل بلد ، وبلا انتقاء للمتكلمين ، وفيها ما فيها من الارتجال أو التكرار أو الخلط أو الأحاديث الموضوعة أو الصخب أحيانا . إن بإمكاننا أن نسجل مائتي شريط أو أكثر ، وفق قائمة مواضيع متكاملة ، ولمتحدثين من ثقاة الدعاة وبأثمان مخفضة فتدخل كلماتنا قلوب ربات الخدور ، ويتجاوب معها الشيخ والأمي والانعزالي والنائي الذي لا يصله الدعاة ، وتملأ أوقات سمر الفلاحين في الليالي ، وتشغل رواد المقاهي وركاب السيارات ، كل أولئك على درجة سواء مع المثقف الذي يبتغي التكرار فترطب هذه الأشرطة أرواحهم عند إنصاتهم لها … ثم يقول : إن إشاعة الأشرطة تعتمد اليوم على مبادرات فردية وأذواق مختلفة ، ومن الواجب أن تبرمج قياديا في كل قطر ، لتكون سلاحا إعلاميا رديفا للكتب والمجلات تحكمه موازين ويسيره تخطيط واضح في أهدافه الجزئية التي يراد تحقيقها ، ومن الممكن أن تستورد الدعوة الأشرطة الخام لينخفض السعر إلى أقل من النصف وأن تتحمل بعض تكلفتها لينخفض السعر إلى الربع فتشيع أكثر ، ويحسن آنذاك أن يتم طبع دليل لهذه الأشرطة تخصص كل صفحة فيه لإيجاز معاني شريط معين والتعريف بالخطوط العامة للكلام الذي يحتويه . ثم يقول حفظه الله : إنها نعمة كبرى هذه الأشرطة ، قلبت الموازين وفتقت على الحكومات الطاغية فتقا ليس له رفاء ، ولكننا ما زلنا لا نجيد استخدام هذه النعمة نحن معاشر دعاة الإسلام ، وبإمكاننا أن نحدث بواسطتها هزة سياسية كبيرة ونهضة فكرية تربوية معنوية قوية ، وبأرخص التكاليف ولكننا قوم نحب الكسل . سيقول العجزة من الدعاة : إن هذا العمل سيعرضهم لمتاعب مع زبانية الطغاة من رجال المباحث والأمن ، وعجبا لهم ثم عجبا ، كأن طريق الدعوة خلا يوما من المتاعب والتضحيات ! قد تكون مثل هذه العملية صعبة في بعض البلاد التي تحكمها الأحزاب الإرهابية ولكن أكثر بلاد الإسلام الأخرى يسهل فيها مثل هذا العمل ، ولا يحتاج إلا إلى عزمة جد قيادية ، والتبكير في شراء آلات الطباعة وأجهزة استنساخ الأشرطة واجب قبل أن تمنعهـا الحكومات . أما في مجال المطبوعات فلا شك أن الكتاب الإسلامي يحظى بشعبية جارفة أهلته أن يحتل صدارة الكتب الأكثر مبيعا على مستوى معارض الكتاب في العالم الإسلامي ، والذي نقطع به أن الكتاب الإسلامي لو أخذ حريته الكاملة ( من جانب قوى الطغيان ) وتلقى العناية الفائقة ( من جانب المؤلفين والناشرين ) لكان له عندئذ أعظم الأثر في نشر الصحوة الإسلامية على أوسع نطاق . وقد عالجنا في الطريقة السابقة من طرق خدمة الدين ( السادسة عشر بعنوان : حركة التأليف ) كيفية النهوض بالكتاب الإسلامي تأليفا ونشرا وتسويقا ، وهنا نريد أن نتباحث في بعض الوسائل الممكنة لجعل المطبوعات وسيلة حيوية من وسائل الدعوة إلى الله تبارك وتعالى . فالملاحظ أن الكتاب الإسلامي ينحو تسويقه جانبا تجاريا ، والمطلوب أن تعتمده الدعوة وسيلة دعوية محضة تعويلا على أن الأصل في وصول كلمة الحق وتعليمه للناس أن يكون حسبة . والأمران الجديران بالطرح هنا : تمويل طبع الكتب المجانية ، وحسن اختيار الموضوعات مع إتقان نشر هذه المطبوعات . أما قضية نفقات توزيع الكتب بالمجان فهي فرع ما تحدثنا عنه في الطريقة الثامنة بعنوان ( المال المبارك ) ، ولا بأس أن نطرح هنا بعض الأفكار التي لم تذكر هناك . ففي مجال طبع الكتيب الإسلامي مازالت هناك مندوحة وفسحة ، ويجب أن تبحث الدعوة عن كل الوسائل المتاحة ليتبنى ذوو اليسار طبع الكتيب الإسلامي . تقوم بعض الجمعيات الإسلامية التي تنتمي للصحوة بطبع بعضا من هذه الكتيبات ولكنها طريق التوزيع كما اختيار الموضوعات ، تتم بلا تنسيق وروية . والواجب أن يتباحث الدعاة في أصلح الكتب الصالحة للنشر ، أو بالأحرى التي يحتاجها المجتمع المسلم على ضوء الأولويات المتفق عليها ، ويقبح أن نستغل توزيع الكتب بالمجان في الترويج لفكرة ساذجة أو الانتصار لخلاف سائغ . فالساحة مليئة بالقضايا المصيرية التي تتطلب شفافية أكثر من هذا الزخم الثقافي الكاذب . ومن الضروري أيضا أن يناصح الدعاة أصحاب دور النشر في تحديد نسبة من الكتب التي يطبعونها لتوزيعها على طلبة العلم الفقراء أو على من يحتاجها من الدعاة لاستعمالها في حركته الدعوية ، أو الاتفاق مع بعض الأثرياء وذوي اليسار على طبع كتاب واحد كل سنة . أما الكتيبات الصغيرة التي تتناول قضية معينة ذات شأن ويبتغى توزيعها بالمجان فإنها لن تشكل عائقا أمام الدعاة ، فالمال اليسير يكفي الآن لطبع الآلاف من تلك الكتيبات الصغيرة . ولو تعاون الدعاة والغيورون على الدين في جمع فتات المال كل حين وحين ، لأثمر عندهم من الرصيد في طبع تلك الكتب ما لا يقع في الحسبان ، والمطلوب أن يكون من بين الدعاة والقائمين بالشأن الدعوي من يحسن عرض فكرة طبع الكتاب على ذوي الشأن ويطلب منهم التبرعات المطلوبة لتكون عونا للدعوة على طبع الكتب المطلوبة . وطبع الكتب من أرجى الصدقات الجارية إذا ضُمن توزيعها بطريقة تجر النفع على المسلمين عامة وطلب العلم خاصة ، فينبغي حض ذوي اليسار الذين يرغبون في إجراء الصدقات الجارية لهم أو لذويهم الأموات أن يساهموا في طبع الكتب الإسلامية التي تناصر شرع الله وقضاياه . وعلى صعيد المجهود الفردي ، فإن الاستفادة من هذه الوسائل أمر ميسور كل إنسان ، ولو اجتهد كل غيور على الدين بتكوين مكتبة صوتية أو تجميع بعض الكتيبات التي تحوي موضوعات ذات صلة بواقع المجتمع المسلم ثم عمل على تسخير سماعها لجيرانه وأقربائه وأصدقائه لأسهم بعامل قوي وفاعل في بناء صرح الصحوة ، فبهذا المسلك ستصل كلمة الحق ولا ريب إلى كل أذن وسيعلو نداء الإسلام في كل بيت ، وعندئذ تبدأ إرهاصات النصر المبين . ولا شك أن هناك الكثير من الأفكار التي ذكرت هنا أو لم تذكر قد نفذت بالفعل ، وبإمكان الدعاة أن يتناصحوا فيما بينهم حول أفضل السبل والوسائل لإحياء أو تنشيط هذه الوسيلة من وسائل خدمة الدين . ويمكننا أن صوغ أفكار هذا الباب فيما يلي : (1) تكوين لجان اختصاصية في كل منطقة دعوية من مهمتها الاعتناء بجانب المطبوعات والمرئيات والمسموعات ، حيث يكون من اختصاصها اختيار الموضوعات باستشارة قادة الدعوة وعلمائها ، واتخاذ الآليات الضرورية لتنفيذ المشروعات الإعلامية المطلوبة . (2) يجب أن تعتني الدعوة بالجانب التمويلي لهذه الطريقة ، وذلك عبر الوسائل التي ذكرنا في الطريقة الثامنة والتي ذكرت ههنا . (3) تبني سياسة إعلامية واضحة المعالم كما سبق وبينا في الطريقة الخامسة عشر ، فمن شأن السياسة الإعلامية أن تحدد للصحوة مسارا عمليا وحركيا معينا تتواثب الجهود على تنفيذه وتنشيطه . وأي نشاط في هذا الجانب دون تبني هذه السياسة من شأنه أن يصم أي مجهود بالارتجالية والعشوائية . (4) على صعيد العمل الفردي بإمكان أي داعية أن يجتهد في الاستفادة من الأشرطة الصوتية والمرئية والمطبوعات ، وذلك عبر شرائها أو طبعها ونسخها ، واستعمالها في نشاطه الدعوي الميداني أو تغذية مكتبة المسجد الصوتية ، أو تكون نادي إعلامي في المنطقة لإعارة تلك الأشرطة على اختلاف أنواعها لسكان المنطقة نظير أجر رمزي أو بدون أجر ، أو على حسب ما يرتئي كل داعية في منطقته . (5) مناصحة الناشرين وأصحاب الشركات الإعلامية الإسلامية على تبني دور دعوي واضح والمساهمة في نشر الصحوة عبر منتجاتهم الإعلامية ، مع التأكيد على ضرورة أن يلتزم كل أولئك بالخط الدعوي السائد ، وألا يكونوا أداة في يد المنافقين والمبتدعة من أعداء الصحوة المباركة . الحاسب الآلي والوسائل العصرية في الاتصالات قد مر معنا في حكم الوسائل الدعوية أن شريعة الله الغراء لا تأبى المستحدث من طرق عادية في خدمة حوزة الدين ، وأن نصوص الشرع تنادي ببذل كل متاح وإعداد كل مستطاع لرفع راية الحق والذب عن حماه . وإذا تقرر ذلك ، فإن الدعوة لابد أن تأخذ مجراها في كل القنوات التي تلتقي فيها أفكار البشر ، ولا يجوز أن تنأى عن هذه المواطن بزعم عدم ملاءمتها أو تضمنها ما لا يليق اقتران نصوص الشرع المطهر به . وقد أكد الباحثون أن ثورة الاتصالات في هذا العصر ستُحدث انقلابات جوهرية في كل مناحي الحياة ( سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ) ، وبدورنا لا بد أن نضيف أننا سنحدث بهذه الثورة انقلابا دعويا ، ابتداء من الهاتف والبيجر والهاتف المحمول ومرورا بإمكانيات جهاز الحاسب الآلي وانتهاء بقنوات الاتصال الدولية المسماة في عرف عصرنا بالإنترنت . وقد تم توظيف هذه الإمكانيات في بعض الأنشطة الدعوية ، بيد أنها مازالت تأخذ طابعا فرديا ومنحى اجتهاديا ، والذي لا ريب فيه أن تقنية الاتصالات لها تقنية استخدام ، ولابد أن يتجاور مع شعورنا بأهمية هذه التقنية أن نتخصص في أدق تفاصيلها ، وليس ذلك بمستبعد أو مستصعب إذا صدقت مشاعرنا في قضية البذل للدين . لقد علمت أن الرهبان البوذيين في بعض بلاد الوثنية تتطاول هممهم لإتقان التعامل مع الحاسب الآلي ، ورأيت حركة التنصير في بلاد العالم تدار بتقنية إدارية عالية المستوى تنبئ عن مهارة وعبقرية في أداء العمل وتنفيذه . بل من أعجب من سمعته أن بعض الشباب المتحمس في أمريكا ضاق ذرعا باحتكار شركة مايكروسوفت للبرمجيات المحاسبية ، لدرجة أنها احتكرت سوق أنظمة التشغيل بالاتفاق مع الشركات المصنعة للحاسب الآلي أن تلزم المشتري بشراء الجهاز ومعه نظام التشغيل ( وندوز ) التابع لمايكروسوفت ، فانبرى طالب جامعي مغمور ( حانق على تلك الشركة المذكورة ) وابتكر نظام تشغيل عالي الكفاءة وبثه في الإنترنت بالمجان ، فاجتمع على نصرته كل الشبيبة الذين اشتركوا معه في الحنق على مايكروسوفت ، حتى وصل عدد من صاروا يجتهدون في تطوير ذلك البرنامج المجاني وتحسين كفاءته : ألف من الشباب المتحمسين المتخصصين في تقنية الحاسب الآلي . فانظر أيها الأريب كيف جمع أولئك وحزبهم تبرهم من الضيم ، وإباؤهم أن يفرض أحد عليه وصاية تكنولوجية ، فثاروا ثورة تلقائية على وضع اقتصادي ليس ذا بال ، فأجدر بدعاتنا بل بكل شبابنا الغيور ممن أوتي بسطة في العلم والاطلاع على تقنيات العصر أن يستنفرهم حب البذل للدين ، وليقدموا لأمتهم ما يقض مضاجع الكافرين ويشفي الله به صدور قوم مؤمنين . ولست بالذي يتمنى الأماني الحالمة ، ويغرق في بحار الوهم العميقة ، لكنني أزعم أن الدعوة الإسلامية بآليتها الفكرية تستطيع أن تستعين بخبرات الأفذاذ من المتخصصين في كل المجالات التقنية المذكورة آنفا دون أن نلزم كل المنفّذين أن يكونوا من أصحاب هذه التخصصات . وفي إطار ما ذكرناه مرارا أن الدعوة ليست حكرا على أصحاب العمائم والشهادات الشرعية ، فإننا نؤكد هاهنا أيضا أن كل المتخصصين في كل المجالات العصرية لا بد أن يكونوا جندا من جنود الإسلام ، وأن تُسخر هممهم وطاقاتهم وإبداعاتهم في خدمة الدين ، ولا بد أن يُبث في روح كل الشباب أن أي علم يدرسونه أو تخصص يتقنونه إذا لم يكن للدين منه نصيب فهو وبال على صاحبه ونقمة تلعنه أينما حل وارتحل ، فالذي يعيش بنعمة الله لنفسه دون أن يبذل زكاتها ويؤدي حق الله فيها حريٌّ به أن يتوارى عن مجتمع الناس وأن ينـزوي في دائرة النسيان كما نسيَ هو حق الله عليه . وإذا ما أردنا أن نحرر أوجه الاستفادة من هذه الطريقة التي نحن بصددها فينبغي أن نعلم أن ثورة الاتصالات في هذا العصر قوامها على الأقمار الصناعية التي صارت الشركات التقنية تتنافس على تصنيعها بأسعار منافسة .ط وصارت دول – ليست ذات شأن – بإمكانها أن تشتري قمرا صناعيا لتطور إمكانياتها التقنية في الاتصالات سواء في مجال الإعلام أو في مجال نظم المعلومات . وكما سبق أن بحثنا فإن الكلام عن الطرق التي يجب أن تستثمر في خدمة الدين يجب أن ينأى عن دائرة الممكن أو غير الممكن ، لأننا نزعم أن الحركات الإسلامية الآن تملك ثروات ضخمة وإمكانيات فذة ، لكنها غير مستثمرة ، وغير موظفة على الوجه المطلوب ، أو على أحسن الظنون : تحول كثير من العوائق دون توظيفها . وسيأتي الزمان القريب الذي يصبح التعاون بين كل الحركات الإسلامية لتكون كلمة الله هي العليا حقيقة ماثلة ، وواقع جاثم رغم أنف الحاسدين . وعندئذ لابد أن تستدعى كل المشروعات التي كان الظن استحالة تطبيقها في ظل التشرذم . وساطر هذه الكلمات له تجارب مثيرة حول إمكانية صنع مشروعات عملاقة لا تتناسب مع حجم الإمكانيات المتاحة إذا توافر لها جانب الإرادة الجازمة والإدارة الحازمة . وإذا كان الشأن كذلك فأنا لا أستبعد أن تملك الحركات الإسلامية في القريب العاجل قمرا صناعيا يكون بمثابة انطلاقة كبرى لمشروعاتها الدعوية . ولقد سمعت أن جمعية النور في تركيا ( وأحسبها تتبنى نهج الشيخ بديع الزمان النورسي رحمه الله ) تملك قناة تليفزيونية فضائية والكثير من محطات الإذاعة المحلية ، والعشرات من الصحف والمجلات . ولا ريب أن دعوة تدخل البيوت باستدعاء أصحابها لها عبر أزرار التليفزيون تستطيع حينئذ أن تناطح خصومها بقدم راسخة وخطوات واثقة . ولقد ذكرنا بعض الوسائل المتاحة لتوفير التمويل اللازم لمشروعات الدعوة الكبرى ، والأمر كما ألححت مرارا ليس مجرد حلم أو أمنية مغرورة ، بل هو واجب لا بد أن ننذر صوما عن النوم حتى يتأدى . وفي مجال الاتصالات نرى التقنية قد أفرزت لنا الكثير من الاختراعات التي تحتاج قبل كل شيء إلى دراسة وتمحيص لمعرفة أوجه الاستفادة منها ، فكما علمنا أن تقنية الاتصالات تحتاج إلى تقنية استخدام ، وقد رأينا كثيرا من الهيئات الحكومية وغير الحكومية في بعض الدول الإسلامية عاجزة عن الاستفادة من إمكانيات الحاسب الآلي بسبب عدم درايتها بمجالات الاستفادة . إن الهاتف والمحمول وجهاز الاستدعاء ( البيجر ) بتقنياته صار يمثل عنصرا حيويا لكثير من الناس ، وأجدر الناس بالاستفادة منه هم الدعاة الذي تتطلب احتياجات الدعوة تواجدهم في أكثر من مكان في وقت واحد ، كما أن احتياج كل الناس إليهم يلزم معه ضرورة ربطهم بالناس وربط الناس بهم ، كنوع من المبادرة في مخاطبة الجماهير ، والسابقون في الوصول إلى الناس هم القادرون على التأثير فيهم أكثر من غيرهم . فمن الضروري أن تكون بعض أرقام هواتف الدعاة مشاعا بين الناس ( أرقام معينة ) ، وأن يعمل طلبة العلم والمعنيون بالشأن الدعوي أن يحثوا الناس على استفتاء الدعاة وعرض مشكلاتهم عليهم . ولو استطاعت الدعوة أن تسهل اتصال الناس بالدعاة - بحيث يكون الدعاة أول من يفكر فيهم الناس عند حدوث أية مشكلة - فإنها بذلك تكون قد ضمنت قيادة المجتمع ، وامتلكت ناصيته ، وأمسكت بدفة توجيهه ، ومع مرور الزمن فإن الدعوة هي التي ستملك توجيه الناس إلى أي موقف تتبناه أو تريد للناس أن يتبنوه . وفي مجال الاتصالات يبرز الحاسب الآلي وثورة البرمجيات . فهذان القطاعان صارا يمثلان عصب السياسة والاقتصاد والعسكرية في معظم دول العالم . وحتى نتصور أهمية هذين القطاعين فيمكننا تذكر مشكلة عام ألفين ( ويعرف بمشكلة الصفرين ) ، وهي مشكلة عجز الحاسبات القديمة على التأريخ لعام ألفين لعدم تصميمها آنذاك إلا على التأريخ لخانتين فقط ، وبحلول عام ألفين ميلادي ستعجز الحاسبات القديمة عن التأريخ للعام الجديد مما سيتسبب في خلل في كل البرامج والمعلومات المحملة على تلك الحاسبات القديمة . وقد قدر بعض الباحثين أن دول العالم ستحتاج إلى ما يقرب من ثلاثمائة مليار دولار على أقل تقدير لحل هذه المعضلة . وضخامة المشكل ناتج عن أن العشرين سنة الماضية كانت كل المعلومات الاقتصادية والعسكرية والعلمية المختلفة تخزن في ذاكرة الحاسبات القديمة ، واضطراب عمل تلك الحاسبات سيؤدي إلى خلل في كل تلك المعلومات كأرقام حسابات البنوك ونظم الدفاع في جيوش العالم ، حتى أن أمريكا وروسيا قد عقدتا اتفاقية للتعاون في حل هذا المشكل على صعيد الترسانة النووية التي يحتمل بعض الباحثين أن تكون مشكلة الصفرين ذات أثر بعيد المدى في البرامج التي صممت لإطلاق القنابل آليا . وخوفا من أبعاد هذه المشكلة نصح بعض كبار المصرفيين بسحب الأرصدة من البنوك قبل حلول عام ألفين ، حيث تنبأ بأن تسبب هذه المشكلة في عمليات نهب وسطو أو خلط في أرقام الحسابات وأرقام الأرصدة . كل ذلك ذكرته حتى نولي هذا الجانب بعض الاهتمام ، لأنه من المتفق عليه أن قطاعات عريضة من الدعاة وغير الدعاة من المعنيين بالشأن الدعوي يهملون الاستفادة من هذه الوسيلة . وسنذكر بعض أوجه الاستفادة من هذه الطريقة وكيفية الاستفادة منها بالنسبة للدعاة ليكون ذلك من باب التذكير والله الموفق والمعين . أولا : الاستفادة من الحاسب الآلي في إطار برامج الخدمات : إن البرامج التي صار باستطاعة الحاسب الآلي أن يتعامل معها صارت لا تعد ولا تحصى ، ومما هو معلوم أن سوق البرمجيات تعدى مرحلة الضروريات إلى البرامج المسلية بل المضيعة للوقت ، مما ينبيك أن أطر استعمال هذه البرامج تناولت جوانب شتى من الحياة ، بحيث أصبح بالإمكان إدارة هيئة دعوية عالمية ببرنامج واحد تخزن فيه كل المعلومات المتاحة ويتم استدعاؤها وفق أي منظومة . وصار بإمكان الدعاة أن يستخدموا برامج كتابية تسهل عليهم تخزين المعلومات والتصنيف والرجوع أيضا لكل ذلك وبمنتهى السهولة ، ولا شك أن هذا يوفر على الداعية من الوقت والجهد الكثير الذي يجب أن يوفره في مصالح أخرى مهمة . وقد انتشرت البرامج التي تخزن كتب العلوم الإسلامية من معارف شتى ، حتى أصبح تخزين آلاف المجلدات في قرص مرن يوضع في الحاسب الآلي أمرا عاديا ، بحيث يمكن استدعاء أية معلومة وبسرعة غير عادية ، وبينما كان الداعية يحتاج إلى الألوف المؤلفة من الأموال ويحتاج إلى الغرف الفسيحة ليملأها بالكتب ، أصبح باستطاعته أن يشتري هذا الجهاز بثمن زهيد وكذلك البرامج المذكورة . وليس من الغريب الآن أن الطبيب والمهندس والمدرس والمحاسب لا يستطيع أن يستغني عن هذا الجهاز المهم . فلقد عمل هذا الجهاز على توفير المجهودات والمصروفات بطريقة مذهلة . إن الداعية يجب أن يكون ضنينا بوقته شحيحا بزمانه ، ويجب أن يهتبل كل فرصة في توفير الدقائق بله الساعات . وإذا أمكن لدعاتنا أن يجتهدوا قليلا في تعلم نظم الحاسب ولو بالقدر الذي يؤهلهم للتعامل معه فإنهم بذلك يخطون خطوة واسعة المدى في خدمة الدين ، فإن أوجه الانتفاع من الحاسب الآلي تتضاعف كما يقول الخبراء . ثانيا : الاستفادة من الحاسب الآلي في إطار الاتصالات : لقد غدا الإنترنت وسيلة العصر في الاتصالات السريعة ، بل تعدى ليصبح في بعض الدولة وسيلة التسوق والتسويق للسلع ، وصار بإمكان المعلومة أن تنتقل إلى أرجاء المعمورة في أقل من الثانية وفي أي وقت وفي أي مكان بواسطة الضغط على مفتاح واحد من لوحة المفاتيح . وصار البريد الإلكتروني وسيلة كل ذوي المعارف في تبادل الخبرات والعلوم ، فيتم الإعلان عن المحاضرات والندوات واللقاءات بصورة فورية عبر عناوين البريد الإلكتروني دون تجشم عناء تبليغ المواعيد شفاهية . بل صار من الممكن عقد الندوات عن طريق الحاسب الآلي عبر خطوط عديدة ولو كانت متباعدة بعد المشرق والمغرب . ومثل هذه الثورة في الاتصالات لا بد أن تنال منها الدعوة النصيب الأكبر . ونحن لم نتحدث عن ضرورة دخول سوق تصنيع الحاسب والبرمجيات ، فهذه قضية تحتاج إلى مصنف خاص استوفاه بعض الغيورين من أبناء الأمة ، ولكننا نتحدث عن إمكانية استغلال الحاسب الآلي والانتفاع بالإمكانيات التي توصلت إليها تقنية الاتصالات . إنني أرسم صورة عامة لما يجب تداركه من أوجه خدمة الدين ، أما تفاصيل أوجه استخدام الحاسب الآلي في خدمة الدين فمما لا يفي به مصنف مستقل ، ولكننا نحسب أن أوجه الانتفاع ستحتاج إلى متخصصين من الجانب التقني والجانب الشرعي . وقد رأيت في إحدى الكليات الإسلامية أجهزة الحاسب الآلي قد ملأت غرف الأساتذة والمدرسين ، بيد أن التراب قد علا أركانها ، فأضحت كقطع الآثار التي تحتاج أماكن عرض مناسبة . فلما سألت عن هذه الأجهزة قالوا : تبرع بها بعض المحسنين لتلك الكلية ، فلم يروا بدا من حبسها في غرفة المدرسين ، فقلت : أولم يكن من الأحرى أن تجمع تلك الأجهزة في غرفة ويتم تدريب الأساتذة عليها وكذلك الطلبة ؟!! أولم يكن من الأجدر أن يعطى الجهاز الإداري في الكلية جهازا واحدا يتم تخزين المعلومات فيها وكذلك طبع الأوراق المطلوبة بدلا من الكيفيات البدائية التي يتعامل بها الإداريون ؟!! وإذا كنا سنعتبر مجرد استعمال الحاسب – دون أن يكون للأمة الإسلامية دور في تصنيعه – نقص يجب تداركه ، وفرض كفائي يجب السعي لدرء الإثم عن الأمة بأدائه . فكيف بنا ونحن نرى البعض يقنع من الغنيمة بالإياب ، ويستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير .
|